فارس الحباشنة
الاصلاح ممكن وليس مستحيلا، ولا يحتاج الى معجزات، بل بقدر ما يحتاج الى ارادة وسند وروافع سياسية. من عقدين كلما طرحت مسألة الاصلاح في دولة قيد التأسيس وتحول ديمقراطي قيد البناء، الا وقد وضع الاردنيون ايديهم على قلوبهم خوفا من سياسيين يجهضون المحاولة ويقلبونها على العكس المرجو. للاصلاح ارث في الدولة الاردنية. وحتما لا يبدأ من نقطة الصفر. وكل محاولات الاصلاح السابقة لم تجر مراجعتها للوقوف على اسباب اخفاقها في تحقيق المرجو منها.
اخطاء وسوء ادارة راكم اعباء اضافية على الدولة واجهزتها ومؤسساتها. طبقة من المتنفعين والمستفيدين يصرفون وينفقون من خزينة الدولة ولا يقدمون اي نفع وواجب يذكر للدولة. ادارات وقطاعات مترهلة ومتهالكة كالتعليم والطبابة والبنى التحتية بحاجة شديدة بان تضخ بها دماء جديدة، ويعاد مراجعة سياسة ادارتها العامة للخروج من الاعاقات والتشوهات والمعيقات، ومعطلات تقدم وتطور وعدالة الخدمة. الاصلاح بالاول والاخير قرار سياسي. وما لم يقل في الحديث عن الاصلاح أن للاردن تجربة طويلة، وارث بيروقراطي، ولكن مع الاسف فانه فقد الكثير والكثير من المكتسب والانجاز، وذلك بفعل سياسات عامة انهكت مؤسسات الدولة باسم وتحت عنوان التطوير والاصلاح والتغيير والتحديث وغير ذلك.
فخسرنا القديم والموروث العريق والصلب في البيروقراط ولم نفلح في اضافة ما هو جديد، واحداث انتقال وتحول نحو الرؤية الجديدة للاصلاح والادارة العامة، والحكم الرشيد. وتمثل ذلك في مرحلة توهان وكشفت في مواضع ازمات خفيفة وكبيرة حجم الترهل وسوء الادارة الذي يعشعش في الادارة الرسمية.
محاولات الاصلاح الجدية، ومحاولة بناء المؤسسات والحكم الرشيد تحارب وتجهض في ارضها. وعملية الاصلاح ليست عاطفية ولا ردة فعل أن قرارا تاريخيا وطنيا حتميا في مواجهة استحقاقات التحولات والتداعيات المتلاحقة الكبرى التي تطرق ابواب الدول المختلفة عن ركوب قطار التطور الحضاري والانساني. اول اعداء الاصلاح المستفيدون من الوضع القائم. وفي طبيعة الحال هؤلاء ينأون باي حديث ومراجعة جادة للاصلاح. دخلوا في اثقالهم في الوزارات والمؤسسات العامة، وبارعون في تعطيل القانون وتفصيل التعليمات على مقاساتهم، ويفرضون سياسة الامر الواقع، ووقرروا ما يشاؤون بالتأكيد والاصرار، واللعب على الوقت.
واي اصلاح لا يمكن طرق ابوابه خارج اطار المال العام. نعم، كيف ينفق المال العام؟ وكيف يمكن حماية المال وصونه ومنع العبث به، حمايته من الهدر والعبث؟ والا كل مظاهر الانهيار والخراب، وحوادث الموت بفعل الاهمال والاستهتار يختبئ وراءها مسؤول عابث في المال العام. الاصلاح اختبار المرحلة. نعم ما سبق من تجارب ليست مشجعة. ولكن مع كل ذلك فلا بد من المحاولة. ومهما كانت المعيقات والمعطلات فان الاصلاح مع التأكيد الواجب انه فعل سياسي وليس مهمة ادارية.