اسعد العزوني
مغادرة شاملة للمنطقة
جاء القرار الإستراتيجي الخطير الذي إتخذه المتمسح بالإنجيليين والجمهوريين على حد سواء الرئيس ترمب، وهو الإنسحاب الأمريكي من سوريا في هذا الوقت العصيب ،بعد أن شكّل غطاء فوسفوريا لفرع المخابرات السرية الخارجية الإسرائيلية”ISIS” الملقب ب داعش،وأوهم أكراد سوريا منذ إندلاع الأحداث المأساوية في سوريا قبل نحو سبع سنوات أن أمريكا معهم ،وإنها تؤيد إقامة دولة كردية لهم…جاء هذا القرار ليثبت ما كنا نقوله منذ سنوات أن أمريكا تقوم بإنسحاب تدريجي من منطقة الشرق الأوسط ،بعد أن طوبتها لمستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية ،لأنها ستتفرغ لمقارعة المد الصيني الماليزي الهندي في آسيا.
يثبت هذا الإنسحاب أيضا أن تدخل روسيا العسكري الحاسم في سوريا ،كان بتنسيق بين موسكو وواشنطن ،وبإتفاق خاص بين الصديقين والشريكين الرئيس بوتين والرئيس ترمب ،بعد أن تعهد الرئيس بوتين بالإتيان بترمب رئيسا للبيت الأبيض ،ولا يغفلن أحد الدور الإسرائيلي في ذلك،إذ أن التنسيق الروسي – الإسرائيلي كان واضحا للعيان ،وتم وضع النقاط على الحروف بينهما ،ومن ثم أعطت تل أبيب موافتها على التدخل العسكري الروسي في سوريا.
ما يجري في سوريا أصلا يعد دليلا دامغا على دور الرئيس الروسي بوتين في إيصال ترمب للبيت الأبيض كصانع قرار ،ولو كنت محل المحقق الأمريكي الخاص موللير ،لإكتفيت بهذا الدليل الذي كشف العلاقة بين الرئيس بوتين وصديقه وشريكه ترمب ،وقد أوقع ترمب نفسه بنفسه في تصريح صبيحة يوم الإنتخابات الأمريكية حذر فيه الجمهوريين ،من قيام الديمقراطيين بقرصنة أصواتهم وتحويلها لصناديقهم ،وقد إنطبق عليه المثل القائل:كاد المريب أن يقول خذوني.
الإتفاق الروسي- الأمريكي وعلى ما يبدو شامل لقضايا كثيرة منها مقايضة أوكرانيا بسوريا ،بمعنى أن بوتين تنازل لأمريكا عن أوكرانيا فيما تنازل ترمب عن سوريا لروسيا ،كما انهما إتفقا على قيام أمريكا بوقف المد الصيني الماليزي الهندي في آسيا ،وهذا أيضا من مصلحة روسيا التي ترى في الصين ماردا ينتفض ويتقدم بسرعة مذهلة للتربع على عرش العالم ويحل مكان أمريكا.
المشكلة التي لم يتنبه لها أحد ربما ،هي أن مستدمرة إسرائيل هي الكاسب الأول والأكبر في أي عملية تحول في المنطقة ،لأنها تلعب مع الجميع وفق مصالحها وأهدافها ،وتظهر أنيابها للجميع لتفرض عليهم هيمنتها ،كقوة أصبحت تمتلك المنطقة وتسعى بالإتفاق والمشاركة مع السعودية على تنفيذ صفقة القرن.
قد يسأل أحد عن مصير إيران في سوريا ،وهذاسؤال مشروع ،جوابه أن الإتفاق الروسي –الإسرائيلي يقضي بإخراج إيران عسكريا من سوريا ،لقطع صلتها بحزب الله في لبنان ،لكنها ستبقى إقتصاديا في هذا البلد المنكوب من أجل المساعدة في تمكينه إقتصاديا ،ومعروف أن التحالف السوري- الإيراني كان قائما على الدعم الإقتصادي،لأن سوريا فتحت الأبواب على مصراعيها للسواح الإيرانيين الذين كانوا يصرفون بلا حساب.