الدكتور محمد حسين المومني
عدد من التقارير البحثية والإعلامية ذات المصداقية تتحدث عن تفكير جدي لدى الإدارة الأميركية بتأجيل طرح صفقة القرن للعلن والذي كان متوقعا بعيد عيد الفطر ومع نهاية شهر رمضان. ولا يستبعد أن يكون التأجيل مفتوحا لتاريخ غير مسمى بعد خلاصات شبه مؤكدة أن صفقة القرن ستحصل على شهادة وفاة فور الإعلان عنها وذلك بحسب التقديرات وردود الأفعال الأولية حولها حتى قبل إعلانها.
السرية المريبة والمضحكة التي أحاطت بالصفقة، والتضارب بالتصريحات حولها، والتخبط بالتواقيت حول إعلانها، ناهيك عن عدم الحديث مع أطرافها الرئيسة عدا نتنياهو، وإبعاد الحلفاء الناصحين بشأنها والمتأثرين بها؛ كلها أسباب أدت لتحول ما كان يجب أن يكون خطة أو فرصة أو مشروع تسوية، لتصبح مصدرا للتوتر وانعدام الثقة والغموض غير البناء، وقد حكم ذلك عليها بالفشل المسبق. واضح أن الإدارة الأميركية على الأقل دبلوماسيتها المحترفة رصدت تلك التحولات والأجواء المرتبطة بالصفقة، وعليه بدأت بمحاولات لخفض سقف التوقعات من خلال التوقف عن تسميتها صفقة لتصبح خطة، وبعد ذلك إعلانها اقتراحا قابلا للنقاش، ومن ثم أخيرا بدأت تتم الإشارة إليها على أنها خطة كوشنر في محاولة لربطها به وليس بالإدارة ككل. كل الجهد الذي صرف لوضع الخطة والذي لم تطلع عليه الغالبية بعد ذهب هباء منثورا. قلة الخبرة الدبلوماسية والسياسية للقائمين على الخطة، والغرور بعدم الاستماع للنصيحة أدت إلى النتيجة التي وصلنا لها.
تتغلب قوة الحق والمنطق على أي خطط ومقترحات مهما كانت عبقريتها. هذا درس أساسي على الكافة تعلمه عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وحق الشعوب في الحرية والكرامة وتقرير المصير. ما كان يؤكده الأردن دوما تثبت صحته من جديد؛ لسنا بحاجة لمزيد من الخطط فهذا النزاع كتبت عنه أطنان من الخطط والاستراتيجيات والحلول والاقتراحات، ما نحتاجه فعلا حلولا وخططا قابلة للتطبيق، ترضى بها الأطراف الرئيسة وتتحمل مسؤولية ذلك، ويساعدها العالم على بناء الثقة المتبادلة وتقريب المسافات السياسية حتى تتمكن من أن تقبل بالتسويات التاريخية التي على الجميع المساهمة بها لا أن تكون على حساب طرف من أطراف النزاع دون آخر.
بعد عشر سنوات من الآن وربما أقل، سنذكر قصة صفقة القرن بشيء من المتعة على أنها انتهت قبل أن تبدأ، نتحدث عنها كجزء يسير من تاريخ لنزاع مليء بالخطط والمبادرات نجح جزئيا منها تلك التي احتكمت للمنطق والحق والواقع، وابتعدت عن الأدلجة اليمينية القاتلة التي على مر التاريخ كانت وبالا على شعوبها. لن يكتب النجاح لأي اقتراح لا يبنى بالتشاور، وتصاحبه إجراءات بناء ثقة، ويكون مرتكزا لمنطق متزن قويم، ومستجيب لواقع الصراع وتاريخه، ومصان بإجراءات مكافئة ومعاقبة من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة. حاولنا مرارا وفي كل مرة لا تتوافر هذه العناصر كانت النتيجة الفشل، فهل من متعظ!