احمد ذيبان الربيع
خلال عقود عديدة من الزمن كانت مرجعية الأحزاب الناشطة في الساحة الأردنية ، مرتبطة بالخارج وتتلقى تعليماتها وأجندتها السياسية، من المرجعيات الايديولوجية التي تتبعها ، ومن المهم الاشارة الى بعض النماذج للدلالة على ذلك .
في عديد الدول العربية كما في دول أجنبية توجد أحزاب شيوعية ، وكانت مرجعيتها الأساسية الاتحاد السوفييتي ، وثمة نكتة متداولة تقول أنه “اذا أمطرت الدنيا في موسكو يضع الشيوعيون العرب المظلات على رؤوسهم “، في اشارة الى تبعية الاحزاب الشيوعية في العربية ، لسياسات موسكو الاقليمية والدولية وتسبيحها بفضل “الأخ الأكبر” ! فيما تبدو الأحزاب الشيوعية في دول أخرى أكثر استقلالية .
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، أصبحت الأحزاب الشيوعية العربية خاصة “يتيمة ” ، فلم يعد لها مرجعية تستند اليها باستثناء الأدبيات الايديوجية للنظرية الماركسية – اللينينية ، وبدت هذه الأحزاب هشة ودورها هامشي في البلدان التي تنشط فيها ، الى درجة أن الحزب الشيوعي العراقي بدا متواطئا مع الغزو الاميركي للعراق عام 2003 ، متناسيا الشعارات البراقة التي كان يرفعها ضد الأمبريالية الأميركية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي ، وظهر ذلك جليا عندما شارك زعيمه آنذاك حميد مجيد موسى في “مجلس الحكم “، الذي عينه الحاكم الأمريكي بول بريمر، وأكثر من ذلك فقد تحالف الحزب الشيوعي العراقي لاحقا ، في الانتخابات النيابية مع تيار طائفي في قائمة انتخابية واحدة !
ورغم أن الصين الشعبية يحكمها الحزب الشيوعي منذ عام 1949، لكن بكين لم تهتم بايجاد أحزاب شيوعية موالية وتابعة لها، في البلدان العربية وبقية دول العالم ، والسبب الرئيس أن الاتحاد السوفييتي سبقها في ذلك ، بفضل ثورة اكتوبر في روسيا عام 1917 ،فضلا عن عدم اهتمام الصين بنشر نفوذها في الخارج، وتركيزها في حقبة ما بعد ماوتسي تونغ على الجانب الاقتصادي ، خاصة وأن عدد سكانها يقارب اليوم مليار ونصف مليار نسمة ، وهم بحاجة الى التنمية وتحسين الظروف المعيشية أكثر من الايديولوجيا !
وعلى الصعيد العربي ، يمكن الاشارة الى نموذج بخصوص المرجعية الحزبية ، وهو حزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي كان له جناحين يحكمان دولتين عربيتين ، تشكلان ركيزيتين أساسيتين في الأمة العربية وهما العراق وسوريا ، لكنهما كانتا على خصومة واختلافات حزبية وسياسية عميقة ، والمفارقة أن فروع حزب البعث في العديد من الأقطار العربية ، كانت هي الأخرى منقسمة وفقا لمرجعيتها ، اما تتبع القيادة القومية في العراق أو في سوريا .
وبعد أن أسقط الغزو الأميركي نظام البعث في العراق عام 2003، انعكس ذلك بالضرورة على فروع الحزب في بعض البلدان العربية ، رغم الوجود النظري للقيادة القومية، لكنها في الواقع لم تعد بتلك الفعالية عندما كان الحزب يحكم العراق ، وأصبحت فروع الحزب تعتمد في تحديد رؤيتها ومواقفها السياسية على اجتهادات ذاتية، أو معتمدة على أدبيات الحزب الايدولوجية والسياسية ، ونفس الشيء ينطبق على بعض فروع الحزب التابعة للجناح السوري ، رغم ضعفها وقلة عددها ، مقارنة بالفروع التابعة للحزب الذي كان يحكم العراق ، والمؤكد أنها بعد سقوط نظام عائلة الأسد ستتلاشى تنظيميا .
وذلك لا ينفي وجود أحزاب في بعض الدول العربية، تزعم أنها علمانية أو ليبرالية ، تتلقى تمويلا من دول أخرى بأشكال مختلفة وتنتهج سياساتها ، لكن هذه الاحزاب تبقى محدودة ، والأخطر من ذلك وجود ميليشيات ذات صبغة أصولية – دينية ، تتلقى تمويلا وتسليحا وتدريبا من دول أخرى ، مقابل تنفيذ أجندة سياسية وايدولوجية لتلك الدول !
أما بالنسبة للأحزاب التي نشأت حديثا في الأردن ، فهي أحزاب غير ايديولوجية وترفع شعارات ” برامجية ” ، وهي لا تزال تحبو ولم تتجذر في الأوساط الشعبية بعد، ولا يوجد أدلة واضحة على ارتباط أي منها بالخارج ، أو تلقيها تمويلا من دول أخرى . والأمر الثابت في كافة أنحاء العالم أن زمن الأحزاب الايديولوجية قد انتهى عمليا ، ربما باستثناء كوريا الشمالية والصين ونسبيا كوبا !
Theban100@gmail.com