المهندس خالد العنانزة
شهد العالم في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بالقضايا البيئية وتم تكريس الكثير من الجهود لتحسين الأداء البيئي في مشاريع التنمية وزيادة الوعي البيئي بهدف دمج الاعتبارات البيئية مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية في قطاعات التنمية. وفي نفس الوقت ظلت القرارات البيئية موضع تساؤلات لا تنتهي ليس لأنها لم تضع آليات قانونية مناسبة أو أدوات تنفيذية سليمة أو لم تبحث عن حلول لمشاكل التدهور البيئي الحرج فحسب لكن أساسا لأنها لم تستجب بكفاءة للتحديات الجديدة ولم تحقق النتائج المتوقعة تجاه سلامة البيئة وتكاملها مع التنمية أو ما يُعرف بالتنمية المستدامة.
لقد أدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بزيادة الوعي البيئي لدى صانعي القرار وظهور اهتمام متزايد بتقييمات الاستدامة استنادا إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (البرازيل 1992) وخاصة إعلان ريو بشان التنمية والبيئة وجدول أعمال القرن الحادي والعشرين ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة (جوهانسبرغ 2002) وبدأ يظهر إلى حيز الوجود تقييم الأثر البيئي لتحديد الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتوقعة للمشاريع بهدف التأكد من أن المشروع المنوي إقامته لن يؤدي إلى أضرار بالبيئة المحيطة في أي من مراحل تنفيذه أو تشغيله. ومع وجود مشاريع كبيرة تتجاوز الحدود الدولية أو تقع في مناطق تابعة لأكثر من دولة أو وجود قطاعات تنموية أو قرارات إستراتيجية توثر على البيئة برزت الحاجة إلى تعزيز تقييم الأثر البيئي خاصة في عملية صنع القرار لمستوى يتجاوز المشروع مما أدى إلى ظهور مفهوم التقييم البيئي الاستراتيجي الذي يساعد صناع القرار للوصول لفهم أفضل حول كيفية ملائمة الاعتبارات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في قراراتهم الإستراتيجية.
يمكن تعريف التقييم البيئي الاستراتيجي بأنه منهج تحليلي استباقي نشط لدمج الاعتبارات البيئية بطريقة متكاملة في المستويات العليا لصناعة القرار بهدف تقييم الآثار البيئية للسياسات والخطط والبرامج التنموية المقترحة وتوفير البدائل الأكثر استدامة وتنفيذ طرق وإجراءات التخفيف المناسبة وإعلام صناع القرار بذلك من خلال تقرير فني وملخص غير فني. ويهدف التقييم البيئي الاستراتيجي إلى ضمان أن السياسة أو الخطة أو البرنامج المقترح تطويره متناسق ومتناغم مع القرارات الإستراتيجية الأخرى كما يضمن مشاركة الجمهور ومنظمات المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية.
تبدأ عمليات التقييم البيئي الاستراتيجي بدراسة نطاق القرار الاستراتيجي (السياسة ،الخطة ،البرنامج) وهذا يشمل دوافع القرار وأهميته وأهدافه ومراجعة السياسات والخطط والبرامج المحلية والوطنية والدولية ذات الصلة واقتراح أهداف للتقييم البيئي الاستراتيجي لتوفير أساس لمقارنتها مع التأثيرات البيئية المتوقعة للقرار الاستراتيجي وخيارات البدائل المقترحة. كما تشمل عمليات التقييم التدابير المتوخاة لرصد ومراقبة الآثار البيئية المترتبة على تنفيذ القرار الاستراتيجي والآثار غير الحدودية الملحوظة التي يحتمل أن تلحق بالبيئة. ومن الجدير ذكره أن التنبؤ بالعواقب البيئية على المستوى الاستراتجي يصبح عموما اضعف منه على مستوى المشروع ويزداد التعقيد بسبب تعدد الجهات الفاعلة المشاركة في اتخاذ القرار ووجود مجال واسع من البدائل.
تشمل القرارات الاستراتيجي التي تحتاج إلى تقييم سياسات وبرامج وخطط الطاقة والزراعة والمياه وإدارة النفايات والمناطق التنموية ومواجهة التغير المناخي والمشاريع الكبرى مثل ناقل البحرين في الأردن لارتباطه بأكثر من دولة مجاورة والمفاعلات النووية وغيرها .
المهندس خالد العنانزه
عضو الهيئة الادارية ورئيس لجنة التدريب في جمعية البيئة الاردنية