د. مفضي المومني.
موسم التوجيهي… والنجاح والقبول والمعدلات والتخصصات والجامعات والكليات والمكرمات… كلمات مفتاحية تتردد في كل بيوتنا وجلساتنا هذه الأيام، وخاصة لمن لديهم ناجح بالتوجيهي… احتفلنا بالنجاح والمعدلات العالية والمنخفضة لا فرق فالنجاح والكنافه والتباهي والفخر هو الأهم…قبل أن ندخل ونصطدم بمعمعة القبولات… والآن سنشتري قسيمة القبول الموحد، ويبدأ الطلبة والأهالي رحلة البحث عن خيارات التخصص الأفضل، وسنكتشف أن المعدلات العالية لا تسعف البعض برغباتهم لتخصصات الطب والهندسة كما تعودنا…! وفي الأفق سوق العمل مشبع وراكد… والتخصصات المطلوبة لسوق العمل محدودة جدا…ونحن أمام مستقبل نجهل متطلباته .. ما العمل..؟ مع فقدان الأمل..!.
نتعرض لسيل من الأسئلة كأكاديميين… بماذا تنصح…؟ ما هو التخصص الاحسن..؟، بيطلع لأبنا هذا التخصص ولا لأ…؟ وبكل صراحة جميع إجاباتنا مبنية للمجهول، فلا أحد منا يعرف طبيعة سوق العمل بعد خمس سنوات، حتى مع معرفتنا بتوجهات سوق العمل والتطور التكنولوجي، إذا سيصبح الإختيار (كمن يغمض عينيه ويختار… ويا بتصيب يا بتخيب…! )، فسوق الطب يعاني من البطالة الكبيرة ولا يستوعب الخريجين والتعليم العالي قنن القبولات بشكل حاد وجائر… والهندسة يصل اعداد العاطلين عن العمل 40 ألف مهندس وعلى مقاعد الدراسة الآن ضعف العدد….
ليس هنالك من حصل على العلامة الكاملة هذه السنة ولم تسعفنا وزارة التربية بتقرير احصائي متكامل لنتائج التوجيهي وتوزيع المعدلات والفئات… لنتمكن من تحليلها بشكل حقيقي… ولكن بعد تخفيض اعداد قبولات الطب بشكل جراحي… سيكون القبول لاصحاب المعدلات المتقدمة جدا… 98 فما فوق… وقد ينقص قليلا لاعشار… هذه توقعاتنا…
اعداد من سيقبلون في الجامعات سيكون مساوياً او يقل عن من قبلوا العام الماضي…بسبب حملة التقنين المتأخرة في اعتماد التخصصات التي بدأت العام الماضي..! الدليل الإرشادي لمعدلات القبول الدنيا للتخصصات نشر للطلبة وسيكون امامهم حين تعبئة طلب القبول الموحد… خيار المعدل هو المهيمن الوحيد لجميع التخصصات المطلوبة والتي عليها إقبال… وتبقى الرغبة والاتجاه قليلة التأثير في خيارات الطالب للتخصص… إلا إذا ذهب لتخصص حد قبوله أقل من معدله…!
أعلن في نشرة نقابة المهندسين الإرشادية أن جميع تخصصات الهندسة مشبعة وراكدة
وحاجة سوق العمل لها تواجه حالة من الركود التام في معظم التخصصات الهندسية وتفرعاتها. وقد استثني من ذلك تخصصات الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذكية والطاقة المتجددة والمستدامة، حيث لا يزال الطلب عليها قائماً.
التوجهات العامة لبقية التخصصات كما هي العام الماضي للصيدلة والتمريض وغيرها… فهي تعاني من بطالة الخريجين والاشباع…. وتبقى التخصصات الأخرى والتي تتجاوز 500 تخصص لها نفس الوضع من الاشباع والركود لطلب سوق العمل.
وعليه يفضل أن يذهب الطلبة في اختياراتهم للتخصصات المستحدثة من قبل الجامعات وهي بالغالب تخصصات جديدة ومطلوبة محلياً وعالمياً… ووضعها افضل من التخصصات التقليدية التي تتكرر كل عام… ويبقى خيار المعدل هو المحدد الرئيس لعملية القبول والتخصص…!.
النصيحة الأخرى للطلبة خيار التعليم التقني… وتخصصاته المختلفة… وهو خيار جيد غالباً من حيث التشغيل… سواء التشغيل لدى القطاع الخاص أو التشغيل الذاتي… ومستقبلا التجسير لصاحب الطموح والقدرة… لأن الجامعات الوطنية تخرج سنوياً ما يقارب 70 أالف خريج، يذهب لسوق العمل منهم نسبة من 8-10% والباقي يذهبون الى سوق البطالة أو العمل بمجالات بسيطة لا تتناسب مع تخصصاتهم.، ولكن خريجي التعليم التقني وتخصصاته المختلفة تبقى مطلوبة وسوق التشغيل لها أفضل والتشغيل الذاتي متاح لمن يريد ويقدر… ولدينا تجارب ناجحة كثيرة بذلك.
مع أن القبول للتعليم التقني يواجه محددات كثيرة سبق وذكرتها، لا نستطيع مواجهتها حاليا لأن الدولة تتبنى التعليم التقني نظريا، وعمليا لا يوجد دعم خاص به، وما يصرح به بعض المسؤولين في تغيير توجهات الناس نحو التعليم التقني لا يعدو أن يكون عواطف وتوجهات وتأملات بحاجة لواقع غير موجود، فكيف يكون ذلك وكل طاقاتنا وتوجهاتنا وقبولاتنا حكومة وشعبا تتجه نحو التعليم الجامعي المُغرق والمُشبع أصلا! وندعم التعليم الجامعي والجامعات من الموازنة ولا نخصص شيء للتعليم التقني، والذي بحاجة لدعم مالي وسياسات وخطط واستراتيجيات، لم ينفذ منها في الواقع إلا ما يذر الرماد في العيون، وللأسف ما في الأفق لا يخبرنا بقادم أفضل..! فقد بُح صوتنا وكتبنا كثيرا ومنذ سنوات، ولكن ما زال التعليم التقني، لا يحصل على ما يجب أن يحصل عليه لنرسخه ونقنع طلبتنا به. .!، والمشكلة أن من يريد التغيير سيصطدم بموروث من الأخطاء ومن المواجهات والمعارضة من الأهالي والحكومة، لأن أفضل شيء ، هو أن تُبقي الأمور كما هي عليه(حتى لو خربت مالطا)، متى سنستطيع إيقاف عجلة التخبط والعشوائية، ونخطط ونعمل بما يحقق الصالح العام، لأن أهوائنا ورغباتنا الآنية وثقافتنا المجتمعية ما زالت تقودنا من خيبة إلى خيبة، لا أحد ضد التعليم فهذه ثقافتنا وحياتنا ومستقبلنا، ولكن نحن بحاجة لضبط وتقنين وربط مخرجات التعليم نوعا وكما بمتطلبات سوق العمل، وخلق بيئة استثمار وعمل مبشرة وناجحة قادرة على استيعاب تطور أعداد الخريجين في كل التخصصات والمستويات، ونبتعد عن المعالجات الجراحية الآنية التي تفتقر لدراسات حقيقية… أو تبنى على رؤى استراتيجية تقود منظومة التعليم…. فكل ما يجري لتاريخه لا يعدو حلول آنية وردات فعل… ومزاجية وعشوائية… تراكم الإخفاقات ولا تصنع النجاح المأمول… التعليم وسوق العمل يجب أن يحكمها استراتيجيات طويلة المدى تطور نوعيتها… وتجسر الفجوة بينها وبين سوق العمل… ! فمن يقرع الجرس…!؟… حمى الله الأردن.