أ. سعيد ذياب سليم
مطر ، ويبتل ريش العصافير، تلوذ بالأشجار، تزقزق لاعبة كصراخ تلاميذ المدارس، وهم عائدون إلى صفوفهم بعد الاستراحة، يتحدثون عن موسم الامتحانات ، فلم يبق من الفصل الدراسي إلا القليل، المعلمون يراجعون خططهم، يقارنون بين ما تم وما بقي من أعمال لهذا الفصل، تهرب أعين الطلبة من خلال النافذة، يخطفها الغيم والذكريات، ويأملون أن يستمر المطر، سيغير ذلك من برنامجهم، ويحتفلون به احتفالهم بالعيد.
بدأت المقاعد تخلو شيئا فشيئا وتسأل عن قاطنيها ، ظاهرة تميز اقتراب الفصل من نهايته، الإجهاد باد في الأعين وعلى الوجوه، صفة يشترك بها الطلبة و المعلمون، كل ينهي الفصل بأسلوبه، المكتبات مزدحمة ، هذا يجمع ما تغيّب عنه من دروس، وذاك يبحث عن كتبه التي لم يلجأ إليها منذ بداية الفصل الدراسي، ملخصات بأسماء أبطال الإلياذة، و محاولات يقنع البعض بها أنفسهم ، حتى إذا فشلت لم يبقى أمام الطالب إلا أن يؤجل مادته إلى فصل قادم، فقد أدرك متأخرا أنه فشل في موازنة معادلته الحياتية، وقد أولى اهتمامه بعض المتغيرات دون الأخرى.
في نهاية هذه المرحلة الدراسية، نحتاج أن نقيّم نتائج أعمالنا، هل استطعنا إيصال الرسالة ؟ و هل استقبلها الطلبة بطريقة حسنة؟
منذ ليال ثلاث، أحاول أن أكتب امتحانا شاملا ، يوازن بين محتوى المنهاج ، والزمن المفترض للامتحان ، منوع بين أسئلة المقال والاختيار من متعدد، آخذ بعين الاعتبار مستويات الطلبة المختلفة، وتنوع المقاييس ، والمهارات و طرق الحل، هل سيقارب جهد الطلبة جهد معلميهم ؟ وتكون نتائجهم بلسما ينسي المعلمين معاناتهم ؟
ربما يتمتع الفخّاري بالحرية لاختيار نوعية الطين وقوامه و كميته، ثم يحرك دولابه ليشكل قطعته الفنية، إن كانت طاسة ، إبريقا أم قنديلا، بعمل يديه و “خربشات” خياله، يبدع قطعة ناعمة الملمس، مصقولة يرتد عنها نصل الضوء، فيبتسم ابتسامة “بيجماليون” النحات الاغريقي الذي وقع في هوى ما نحتت يداه.
أما المعلم ، فهو ليس اللاعب الوحيد، رغم أن له دور رئيسي في تكوين شخصية طالبه العلمية والخلقية والعاطفية، إلا أنه يشارك عدة وحدات اجتماعية ، تبدأ بالأسرة، لتنتهي بزاوية الشارع المقابلة للمدرسة، حيث يتوقف الغادون و الرائحون يحتسون قهوتهم و ينفثون دخان سجائرهم أمام المارة، فيدخل طالبنا الصف حاملا محاولات الآخرين في تثقيفه قيم الحياة المختلفة، ليقف معلمنا محاولا إصلاح ما أفسده الآخرون، متمتعا بحرية ضيقة وقد لا تكون موجودة ، ثم يتحمل اللوم وحده على نتائجه!
تقف الأسرة بقيادة الأم خلف الابن في هذا الموسم، لتجعل من غرفته حرما يُمنع الاقتراب منه ، وتقيد حركة الصغار حتى لا يكونوا مصدر إزعاج ، وتبرمج ساعات معينة لمشاهدة “التلفاز”، و يمنع استقبال الضيوف، بل ربما تواظب جالسة أمام غرفته، ليتمتع هو بالداخل بخصوصيته الكاملة، منوعا نشاطاته ،بين “Facebook” , “Whatsap” ، والقليل من الدراسة.
تتجول الأم بين الأرفف في المحال التجارية، لتنتقي مما تحمله من مواد غذائية ومشروبات منبهة غنية بـ”الكافيين” ، والتي تساعد أبناءها في السهر و الاستعداد لموسم الامتحانات، آخذة بعين الاعتبار الوجبات الخفيفة التي يحتاجها الطالب المُجدّ في ساعات الليل المتأخرة، ومجموعات الأقلام الملونة و الأوراق اللاصقة الملونة”Post it memo”، لتضعها على باب الثلاجة حاملة عدد من النصائح مذكرة إياه بأن حركاته معروفة، وليستخدمها الطالب لكتابة ملاحظاته: هذا سؤال صعب، و ذاك يستحق ، وهذا يحتاج إلى مراجعة، واضعا نسقا معينا لدراسته وسط فوضى المشاعر، هل سيكون أداء الطالب في نفس مستوى اهتمام أسرته؟
الحديث عن موسم الامتحانات ، حديث شجي، ينقلنا بين الطالب و المعلم والأسرة ، كل يضع خططه لهذا الموسم، والطالب ينتظر نهايته ، واضعا مشروعاته للإجازة، والحافلة تسير بنا ، قد لا تكون بكامل تجهيزاتها، وربما يكون جزء من الطريق غير معبد، إلا أنها تصل في النهاية، لكن بأي حال تكون؟