سهير جرادات
الحب الوظيفي
بدا واضحا أن مؤسساتنا ودوائرنا؛ تقوم على أساس “المحبة الوظيفية”،أو المحاباة ؛ فتجد الشخص الذي يحبه المسؤول في موقع المسؤولية ، يحصد المكتسبات الوظيفية ، ويتم “تنفيعه” بمنحه مسميات وظيفية ، وتمثيل مؤسسته في مجالس الادارة ، وتنسيبه إلى اللجان بغض النظر عن تسمياتها ،لتحسين وضعه المادي .
ومن لا يحبه المسؤول حتى لو كان مجتهدا أو مبدعا ، بالتأكيد يكون بعيدا كل البعد عن المسؤولية وتحصيل المنافع ، هذا إذا لم يتم تجميده وتشويه سمعته وإقصائه بشتى فنون الإقصاء، وتحييده ومحاصرته ، وقد تصل الأمور إلى التخلص منه،بالضغط عليه ليغادر مكانه، ليحل محله أحد الأعوان، ممن يجيدون الخنوع والرضوخ والطاعة العمياء ، بالتالي افساح المجال لمثله ليتربع على عرش قلب المسؤول ، فتتجسد صور علاقة الحب بين المسؤول والموظف التابع.
الأصل أن ترتبط علاقة الحب بالوظيفة، ومدى قدرة الموظف على العطاء والتفاني والإخلاص والتضحية من أجل الوظيفة ، والتغاضي عن ساعات العمل الطويلة لإيمانه المطلق بعمله .
في علوم الإدارة توجد العديد من الكتب والمؤلفات حول الحب الوظيفي ، إلا أن تفرد إداراتنا في خرق كل القواعد الإدارية ، يجعلها تتفرد في وضع أسس ومعايير جديدة للحب الوظيفي، تنفي معها القوانين الإدارية العالمية ، من خلال وضع قوانين لخدمة مصالحها المستنبطة من الحب القائم على المصالح الشخصية ، والتي أثبتت قوتها أكثر من روابط الدم أو القرابة أو تلك القائمة على الجهوية ، لأن الحب الوظيفي يرتبط ارتباطا وثيقا مع سلم الصعود القائم على عدم الاحقية .
عند هؤلاء المسؤولين أصبح مفهوم الحب الوظيفي ، يتمثل بتسهيل مهمة الصعود الوظيفي دون أحقية ، وتحقيق المكتسبات الشخصية،على حساب المصلحة العامة ، والاعتماد على النفاق والمحاباة والمغالاة في المديح، لكل ما يقوم به هذا المسؤول فقط ،مقابل إرضاء غروره بالمديح الزائف ، ونشر السمعة المغايرة عنه وتلميعه بين الناس ، والأدهى تنفيذ الخروقات الشخصية لصالحه، وتسهيلها مقابل المكتسبات، التي مهما عظمت في ميزان الوطن والانتماء له وخدمته لا تساوي شيئا أمامها .
حتى مفهوم الحب ، غيرناه وحولناه إلى حب المصلحة ، وهم حب ينتهي بانتهاء المصلحة ،وللأسف أن مثل هذا المفهوم يترسخ في مجتمعنا بطريقة أصبح فيها الحب الوظيفي يقوم على المصالح الشخصية، وهذا شيء عادي جدا ،لم نجد من يقف في وجهه ، أصبحنا نشاهده في كل تشكيلة أو تركيبة للجنة أو تعيينات جديدة ، تفوح منها رائحة المحاباة ، وأصبح السكوت عن هذه الخروقات أمرا طبيعيا ، بعد أن يأسنا من الاعتراض على التعيينات القائمة على الحب المصلحي في ظل ازدياد الخروقات والخارقين لها .
كم من مسؤول تخلص من مساعديه فقط ، لعدم توافقه وانجذابه معهم ،وهناك شواهد ملموسة في داوئرنا، يكون فيها الاختلاف على أسس شخصية وليست فكرية .
رغم أن الأصل في الحب أن يرافقه حالة من الأمان ، إلا في حالة الحب الوظيفي، الذي نفقد فيه الأمان ، وصدق المشاعر،التي تتغير بحسب المصلحة ،وتتزعزع الثقة ، لأن العلاقة تقوم عل ارتباط ينتهي بانتهاء المصلحة ، كونها مرتبطة بمدة محددة .
النهايات غير السعيدة لقصص الحب نشهدها فقط في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية ،فإما أن يكون الرفض المجتمعي لحالة الحب ،لأنها لا تتوافق مع الطبقة الاجتماعية ، أو لغياب الكفاءة المالية ، أو لاختلافات جهوية أو طائفية أو لخلافات على الإرث بين أبناء الأسرة الواحدة ، على عكس الحب الوظيفي الذي يتنهي دائما نهايات سعيدة، فيحصل طرفي المعادلة على مكتسبات تحت ذرائع أنها من حقهما،لكنها مكتسبات تنتزع من حق غيرهم ،وسرقة حقوق الآخرين .
سيبقى الصراع بين الحب الوظيفي القائم على المصالح ، وبين الحب الخالص للوطن محتدما، طالما أن هناك من يقدم المكتسبات فوق مصلحة الوطن ، مدعيا كذبا وزورا أنه ينظر للأمور من زاوية مصلحة الوطن ..