رمزي الغزوي
إذا كانت بيوتنا سترثي حالها، بعدما تفرغ أبناؤها بكل شغبهم لعطلتهم الصيفية فأنا سأرثي لحالنا ولأفكارنا أننا ما زلنا نسمي فترة الانقطاع عن الدراسة بأنها «عطلة»، أي تتعطل فيها حياة أطفالنا وأبنائنا. وأستغرب أننا لا ننظر إلى هذه الفترة الزمنية بأنها إمتداد طبيعي للمدرسة والتعليم والتثقيف والترويح والمتعة.
ما زال لا يعجبني أن نسمي النشاط الذي يعيشه الطالب خارج الغرفة الصفية نشاطاً لا منهجيناً. بل يجب أن يكون منهجياً، خاضعاً لخطط تراعي حاجات الطفولة النفسية والعقلية والعاطفية. فهل خططنا كيف سيقضي أبناؤنا هذه الصيفية التي بدأت منذ أيام؟!.
أخاف عليهم من كل هذا الفراغ القاتل إن لم نملأه بالمفيد والممتع والمؤثر. أخاف عليهم من تطاير أيامهم دونما برمجة مدروسة. وحين نتركهم نهباً لشاشات الهواتف النقالة يزرعون رؤوسهم فيها فيأكلون ويسمنون ويتكاسلون. أخاف عليهم من سجن شققهم الصندوقية، وأخاف أكثر حينما يتخذون الشوارع ملعباً تنغصه السيارات وشتائم الجارات والمارة. أخاف عليهم حينما لا يجدون مكاناً نظيفاً قريباً يقضون أوقاتهم به، وحين لا يأخذون نصابهم الوافي المشبع من اللعب، الذي هو حق طبيعي لهم.
البعض يعجل في إلحاق أبنائهم بمراكز، وهذا مفيد، ولكنه لا يكفي أبداً ولن يكفي. لا يكفي أن تنقلب حياة الطفل إلى دراسة وحفظ وتلقين وتكرار لمأساة المدرسة. فمن المهم أن يلعب الطفل، أن يلعب ألعابه الفردية والجماعية، وأن يعيش بعض خيالاته وأفكاره وتصوراته، وأن يحيا طفولته، حتى لو كانت بعجن الطين. فاللعب جزء أساسي من الحياة، ولنتذكر دائماً أن طفلاً ينشئ بلا لعب، سيصبح مشوش الشخصية!.
حدائقنا العامة قليلة جدا ولا توجد في كثير من مدننا وقرانا، لأننا ركزنا على زراعة الحجر والشوارع، ونسينا أن نحسب حساب الأخضر والطفولة واحتياجاتها. وفي هذه الحدائق ما زلت ألاحظ الآباء وهم يجلسون بصرامة مفتعلة يراقبون أبناءهم بملل وتكشير وعدم تفاعل، وكذلك الأمهات المنكمشات المنقبضات على هواتفهن، وهن يحسبن بالثوان موعد إغلاق الحديقة، كي يسترحن من هذا الهم الذي يسمى لعباً.
دعوهم يلعبوا ويمرحوا ويتعلموا، دعوهم يعيشوا وقتهم بصدق، فبهذا ننشئ جيلاً طيبا مكتمل النمو. وإذا كان من الجيد أن نوافر لأبنائنا وسائل اللعب والألعاب والأوقات، فإنه من الأجمل أن نشاركهم طفولتهم ونعيشها معهم، أن نلعب معهم أحياناً، ونشعرهم بأننا نقدر لهم هذه الأوقات التي يعيشونها، وبهذا نصنع سعادتهم وسعادتنا.