ممدوح النعيم
يُشير بعضُ الكتابِ إلى أنّ ما يجري في الشّأنِ السّوريّ ليس إلّا تمكينًا لفصائلَ إرهابيّةٍ لحكمِ البلاد، مُشكّلةً بذلك تهديدًا للأمنِ الوطنيّ الأردنيّ. ويُحاولُ البعضُ استحضارَ صورٍ ومواقفَ لرموزٍ من الثّورةِ السّوريّةِ، مُقدّمينَ إياها كدليلٍ على حقيقةِ مواقفِهم ومخاوفِهم. لكنّ العديدَ من هذهِ التّحليلاتِ تُشبهُ استعراضًا لغويًّا، يُوظّفُ فيهِ المحلّلُ ذخيرتَهُ اللّغويّةَ في شرحِ تفاصيلَ يعتبرها معلوماتٍ قيّمةً، دونَ مراعاةٍ لواقعيّةِ هذهِ المعلوماتِ ودقّتها. فالدّولُ تعتمدُ على أدواتٍ استخباريّةٍ مُتطوّرةٍ للحصولِ على المعلوماتِ من مصادرَها الموثوقةِ، وتُقدّرُ الموقفَ السّياسيّ بناءً على حزمةٍ مُتكاملةٍ من المعلوماتِ، تُقدّمُ في النّهايةِ إلى صانعِ القرارِ لاتّخاذِ القرارِ المناسب. أمّا من يرى في الواقعِ السّوريّ خطرًا على الأردنِ والمنطقة، فنسألُه: ألم يكنَ النّظامُ السّابقُ يُشكّلُ خطرًا على الأمنِ الوطنيّ الأردنيّ عبرَ تهريبِ السّلاحِ والمخدراتِ؟ وهل ما زال هذا الخطرُ قائمًا؟ نصفُ قرنٍ من حكمٍ قمعيٍّ لم يُوفّرِ الأمانَ للجارِ ولا لأهلِ الدّار، مارسَ خلالَهُ أبشعَ صنوفِ القمعِ والتنكيل، مُحوّلاً حياةَ الشّعبِ السّوريّ إلى جحيمٍ من القتلِ والتعذيبِ والتشريد. فمِن أينَ يأتي هذا الخوفُ؟ هل استقرارُ سورياَ يُخيفُ؟ هل الانتقالُ إلى حكمٍ ديمقراطيٍّ يُشاركُ فيهِ جميعُ أطيافِ الشّعبِ السّوريّ يُخيفُ؟ هل وجودُ ثورةٍ تُنكرُها بعضُ الدّولِ العربيّةِ، وتُتركُ في مواجهةِ نظامٍ قمعيٍّ يُخيفُ؟ وإن كانَ الدّعمُ التركيّ يُخيفُ، فأينَ كانَ الخوفُ خلالَ السّنواتِ الماضيةِ؟ وأينَ كانَ الصّوتُ الذي طالبَ بدعمِ الثّورةِ السّوريّةِ منذُ انطلاقتِها، بدلًا من تركِها ضحيّةً في أيدي بعضِ قادةِ العربِ والأعاجم؟ تركيا، نحبّها أو نكرها، لها مصالحُها، فأينَ كانتْ مصالحُ العربِ في سورياَ بعدَ إدخالِ منظماتِ التّكفيرِ والإرهابِ إلى أراضيها بحجّةِ مساعدةِ شعبِها على التّخلّصِ من نظامِ الأسد؟ نتّفقُ أو نختلفُ مع المصالحِ التركيّة، إلّا أنّها تَوافَقتْ مع رؤيةِ وأهدافِ الثّورةِ السّوريّةِ في إسقاطِ نظامِ الأسدِ، ومنعِ إقامةِ دولةٍ للأكرادِ شمالَ سوريا. كيف يُمكنُ مُقارنةُ أسابيعَ من انتصارِ الثّورةِ بنظامٍ استبداديٍّ دامَ لعقودٍ من القمعِ والاضطهادِ والسيطرةِ على لبنان؟ وإن كانَ البكاءُ على حقوقِ الإنسانِ مُبرّرًا، فهل عَلّقَ الحكمُ الجديدُ مشانقَ الإعدامِ، ومارسَ الانتقامَ والثّأرَ؟ أم أنّ دعوةَ “سوريا للجميع” التي أطلقتها الثّورة، والتعاملُ مع الواقعِ الجديدِ بحكمِ الدّولةِ لا بحكمِ الثّورة، لا تُضعُ حدًّا لادّعاءاتِ المُتشكّكين؟ المصلحةُ الأردنيّةُ والأمنُ الأردنيّ والموقفُ الأردنيّ لا يُحدّدُها رغباتُ أو تصوّراتُ حالمينَ مُتكئينَ على سرائرِ الرّاحةِ والعيشِ الرّغيد. فلنتجاوزْ الشّطحاتِ النّفسيّةَ والأسقاطاتِ المُضلّلة، فالحكمُ ليسَ حلمًا ورديًّا، بل هو واقعٌ مُعقّدٌ يتطلّبُ تحليلًا دقيقًا، وإدراكًا عميقًا لتعقيداتِ المشهدِ السّوريّ، والتّأثيراتِ الإقليميّةِ والدّوليّة. فالتّاريخُ يُسجّلُ انتصاراتٍ وهزائم، ويُحاسبُ القادةَ على أفعالِهم، ولا يُمكنُ إخفاءُ جرائمِ النّظامِ القمعيِّ وأثرهِ على المُجتمعِ السّوريّ اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا. الشّعبُ السّوريّ يستحقّ الحريّةَ والعدالةَ والكرامة.