مصطفى الشبول
عندما نتحدث عن الماضي ونعيد شيء من ذكراه يجرفنا الحنين إليه ويعزف الشوق ألحاناً على أوتار المشاعر وتخرج التنهيدات الصادقة من الداخل دون سابق إنذار … فبرغم قسوة الماضي وشقاوته وإمكانياته المحدودة إلا أننا نطرب ونفرح عندما تهب بعض نسائمه… ولمن يذكر كيف أن الأدوار كانت موزعة بشكلها الصحيح وتسير بمسارها الطبيعي دون الاعتداء والتعدي على صلاحيات الآخر واخذ موقعه ودوره، ابتداءً من شيخ العشيرة حتى تصل إلى أطفال البلدة … فقد كان الأب ملكاً في بيته ، صاحب الكلمة والقرار ، يفرض وجوده وهيبته بالشكل الصحيح ، وبمجرد دخوله للبيت يختلف كل شيء ، من خلال الاستقبال والكلام وطريقة الجلوس من قبل الأم والأبناء (صغار أم كبار) ، حتى أن الأم في غيابه دائما تجعل له كيان ومكان بين الأولاد وتقدس كل شيء يخص الأب خاصة أمام أبنائها ليبقى هو النموذج والقدوة التي يُحتذى بها، وعلى قول : ( هذا الغرض لأبوك لا تصيبه ، ورح نصب الأكل لما ييجي ابوكو ، ولا تعملوا إزعاج خلي أبوكو نايم ….) ، وكذا الأب كيف كان لا يسمح لأحد من أبنائه بالتطاول على أمه ولو بالشيء القليل حتى التأفف … فخرج جيل يعرف من هو الأب وما هو مكانته ومن هي الأم وعرف أن هناك حدود لا يستطيع تَعَدّيها حتى في نبرة الكلام يبقى حذر في حضرة والديه…
لكن ماذا حدث اليوم ؟ لا نعرف!! ، ولا ندري ما سر هذه التغيرات التي حلت بنا ، من خلال اختلاف المواقع و الأدوار ، فقد أصبح الأب وإلام هم من يطلبوا الستر والستيرة من الأبناء بكل شيء ( بس أرضى يا ولد) ، وكل شيء يطلبه الأبناء متوفر لهم دون أي تقصير ، وقد تحول دور بعض الآباء المقدس في الأسرة إلى دور ثانوي شبه مهمّش فقط يقتصر على جلب الأغراض ، وتركيب جرة الغاز ، وتوقيف سيارات الخضار ، وإخراج النفايات ……الخ،، والمصيبة أن أولادة شباب وطول الواحد مترين وقاعد لا شغله ولا عمله ونومته لبعد العصر ومش مستعد يخدم حاله ، ولما بده الأب يحكي معه كلمة ، الأم تتدخل بالدفاع والترقيع عن الولد، وبتوخذ الأب على جنب وبتقله: يا زلمه مش خايف على شعور الولد ، بكرا بتخاف يعمل بحاله شيء أو أنه ينتحر …
نقول أن هناك حلقة مفقودة في الموضوع وخلل كبير ، كيف لا وقد أصبح الأب آخر من يعلم بعقد قران ابنه أو ابنته فقط يأتي كالجاهة التي تطلب العروس بالمساء وقد كُتب الكتاب بالمحكمة في الصباح … فمتى سنجد هذه الحلقة المفقودة،ومتى سنعالج الخلل الذي له علاقة بالحياء والاحترام .. ومتى سيعود دور الأب الجميل إلى مساره الصحيح …فالأمور لن تبقى على حالها إلى الأبد ، لأن حاضرك لن يكون مستقبلك الأبدي….