رمزي الغزوي
سيقولُ بلسانٍ طلقٍ كلُّ من شاهدَ، أو تابعَ أو اشترك في ازدحام الأسواق، وتلاحم الناس عليها، مساء الخميس الماضي، وتحديداً قبل دخول الحظر الشامل حيز التفيذ بساعة أو ربع ساعة؛ سيقول من شهد تلك المهازل: إن ما كنا نرومهُ من حظر الجمعة، ضيعناه في «جورعة» الخميس.
بالطبع ليس لديّ أي تفسير علمي منطقي لطبعنا العجيب الغريب، وكيف أنّه لا يحلو للواحد منا أن يتسوّق إلا قبل بدء الحظر بساعة أو ربع ساعة، تماماً كما لا يحلو لنا أن نشتري عصير الخروب والتمر الهندي إلا قبل أذان المغرب بدقيقتين وربع. أو كما لا يحلو لطالبنا شدة الحيل، إلا قبل الامتحان بثانيتين ونصف، ولهذا نستحق تسمية: شعب الربع ساعة الأخيرة.
ربما أنه ما زال يسكن في جيناتنا الجوانية هاجس انتهاز الفرص، واهتبال المناسبات في رمقها الأخير. ولربما أن هذا قد ركد في طباعنا من ذلك العرف القروي المسمّى بالجورعة. وهي قطعة من المحصول يتركها صاحبها ليستفيد منها كل من يريد، سواء كان فقيرا أو غير ذلك.
المهم أنه ما أن يعلن صاحب المحصول عن هذه الفرصة، حتى يبدأ الهجوم الكاسح الناطح، فيختلط الحابل بالنابل، والصغير بالكبير والغفير بالوزير.
إذن ما جدوى حظر الجمعة مع جورعة الخميس؟ نحن فقط نضحك على أنفسنا ونداهنها وننافقها، نحن نتخالط ونتقارب ونمدُّ الجسور والأنفاق للفيروس أن ينتقل من واحد إلى آخرين بسهولة ويسر، ثم نقول إن حظر الجمعة مهم جداً في وقف التفشي والانتشار. أهذا معقول أهذا منطقي؟.
في بداية الجائحة أتذكر ذلك الحزن والغم الذي حلّ على مجتمع بعد الوفاة الأول متأثرة بإصابة كورونا. واليوم لا أحد يحركُ ساكناً ولا يتأفف حتى مع تجاوز عدد الضحايا المائة في اليوم الواحد. حتى وزارة الصحة لم تكلف خاطرها وتعلن لنا عن سبب هذه الزيادة في عدد الوفيات، فيما نحن المواطنين لم نعد نأبه بهذا، وكأن الموت يحصد من حقل بعيد.
لو بيدي لألغيت حظر الجمعة، وكذلك الحظر الجزئي اليومي، ولفتحت كافة القطاعات وشرعت كلّ الأبواب، مع تشديد صارم وكبير لقوانين الدفاع والتباعد الجسد وتغليظ العقوبات على المخالفين أكثر وأكثر.
فكفى ضحكا على الذقون من حظر تكسره جورعة الخميس.