اشرف الضباعين
في البداية ومن موقع المجرب والمتلمس للتحديات والصعوبات التي تواجه الروائي الأردني وأهمها عملية النشر فإنني استطيع أن أقدم تحليلا موجزًا عن هذه التحديات والصعوبات التي تعاني منها الرواية الأردنية بما في ذلك تأثير هذه الرواية على القارئ الأردني والعربي والأجنبي.
فإذا كانت الرواية العربية ككل تعاني من التأخر عالميًا مقارنة بالروايات الغربية تحديدًا، لكن بدأت الرواية العربية تأخذ مكانًا لها على الساحة العالمية منذ أكثر بقليل من ثلاثة عقود لكن باستيحاء، فإذا ما أخذنا بالاعتبار حصول الروائي المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب فإن باقي الروايات العربية لم تلامس هذا الحد من العالمية بعده، ولا يعني هذا أن الرواية العربية تعاني نقصًا أو مشكلة في ذاتها بل أن الصعوبات تكمن في تفاصيل يختفي خلفها شيطان أو مجموعة من الشياطين، وبهذا المقال سأذكر بعض من هذه الصعوبات والتحديات التي يعاني منها الروائي الأردني وهي بالتأكيد جزء من مشكلات الروائي العربي ككل.
أولا: مشكلة الترجمة، فأغلب الترجمة حاليًا في الرواية تتم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وقليل من الروايات الأردنية ترجمت للغات عالمية كالإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والألمانية والإسبانية والإيطالية وغيرها، وحتى الترجمة التي تمت للروايات الأردنية تمت من خلال مؤسسات وهيئات ودور نشر غير أردنية، أو بمساهمة وتدخل مباشر من الروائي الأردني نفسه، ومن أهم الروائيين الأردنيين الذين تمت ترجمة أعمالهم للغات أجنبية على سبيل المثال لا الحصر: تيسير السبول، كفى الزعبي، جلال برجس، باسم سكجها، سميحة خريس، ليلى الحلبي وغيرهم مع الإشارة إلى أن الروائية الأردنية فاديا الفقير التي تعتبر روائية ثنائية اللغة تكتب أيضًا باللغة الإنجليزية موجهة روايتها للقارئ الأجنبي.
ثانيًا: مشكلة محاربة الرواية، فقد عانت الرواية العربية من الكثير من الخنق والرقابة، فجاءت الكثير منها متحفظة ومرتعبة، والرواية الأردنية لفترة قريبة كانت تعاني من هذا الأمر إلا أن تخفيف الكثير من القيود على عملية طباعة ونشر الكتب في الأردن منذ بداية هذا القرن خفف من أزمة الرواية الأردنية، فكتب الكثير من الروائيين الأردنيين في القضايا السياسية والدينية والجرئية لكن بتحفظ، مع ظهور قليل من الروائيين في الأردن ممن قدموا روايات ذات طابع متطرف دينيًا، ورغم الشهرة التي يتمتع بها بعض من هؤلاء الروائيين المتطرفين أردنيًا وعربيًا لكن هذه النوعية من الروايات تعتبر منفرة للكثير من النقاد والمترجمين وغالبًا لن تلقى رواجًا خارج نطاق القارئ العربي المتدين.
ثالثًا: مشكلة التقديم، واجه الكثير من الروائيين العرب وكذلك الأردنيين مشكلة في تقديم ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل مفهوم ومقبول للقارئ الغربي، هذا التقديم الذي يعتبر ضروري لفهم ما وراء الرواية وأحداثها وحبكتها مرورًا بتقبل الشخصيات وعيشها وفهم تصرفاتها.
يجب أن لا ننسى أن القارئ الغربي للرواية يميل في الأغلب لروايات الخيال العلمي وروايات الألغاز والأسرار والروايات البوليسية والروايات الرومانسية الواقعية، بينما تميل معظم الروايات العربية عامة والأردنية خاصة إلى السرد المتعلق بمناقشة قضايا الواقع العربي ومشكلات المجتمع العربي منها على سبيل المثال لا الحصر قضايا الشرف وقضايا الإرث والزواج بالسر ومشاكل الحب بين طرفين مختلفين في الدين أو الطائفة، مشكلة اللاجئين وقضايا حروب فلسطين والعرب، وغيرها، فهذه قضايا لا يتلمسها القارئ الأجنبي ولا تعنيه، لذلك لن يرى معنى لها! القارئ الغربي قد ينجذب لرواية حول سقوط نيزك غريب في القطب الشمالي وما يدور حوله من ألغاز وحوادث أكثر من مشكلة رفض زواج أم أحمد لابنها أحمد الذي يعمل محاسبًا في شركة وقد بلغ الثلاثين من عمره من إبنة جارتهم!
وبهذا الخصوص لا بد لنا من القول أن الرواية العربية ومنها الرواية الأردنية تختلف في سرديتها عن الرواية الغربية تحديدًا والرواية العالمية بشكل عام.
لا تعني هذه الأسباب الرئيسية الثلاثة خلو الرواية العربية من الإبداع والتقديم المميز، لكنها – أي الرواية العربية – تعاني من مشكلات ليست سهلة ومنها أيضًا مشكلة في عملية التسويق عالميًا، وهنا لا بد أن نشير أن معظم دور النشر العربية ومنها الأردنية تكاد تكون أقرب للمتاجر والدكاكين التي تسعى لربح كثير وعمل قليل، وأن معظم دور النشر هذه صغيرة بما لا تسمح ميزانيتها وعملها التسويق الواسع أو الشامل، وتتكل الكثير منها على الروائي أو الكاتب في عملية تسويق كتبه مما يرهقه ماليًا، بينما يقبع أصحاب دور النشر خلف مكاتبهم دون السير في عمليات تسويق حقيقية.
البعض يُشير إلى مشكلة التراكم الكمي للروايات والذي أثر سلبًا على وضع الرواية الأردنية والعربية عالميًا، لكن لا أتفق مع هذا القول لأن المشكلة تكمن بالروايات التي كتبت باللغة العربية وتم ترجمتها للغات عالمية، فالروايات التي لم تترجم هي خارج هذا النطاق.
الرواية العربية ليست في وضع مأساوي فالكثير من الروايات العربية لروائيين من تونس والجزائر والمغرب تم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية ولاقت رواجًا في إفريقيا وأوروبا، وهناك روايات عربية ترجمت للإنجليزية والإسبانية ولاقت قبولا في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وبعضها حصد جوائز في تلك الدول.
واذا كانت الرواية الأردنية ليست رواية عالمية لكنها أيضًا ليست رواية فاشلة، أنها فقط تحتاج للخروج من بوتقة وقيود السردية المحلية وتحتاج للترجمة والتسويق الحقيقي، وهو أمر عسير على الروائي الأردني لوحده وبالتالي لا بد من تضافر جهود عدد من الجهات الرسمية والخاصة لمساعدة الروائي الأردني في صعود السلم.
*روائي وكاتب أردني