الدكتور محمد حسين المومني
نشهد نقاشا صحيا حول قطاع الزراعة والتحديات التي تواجهه، وما هي قيمته المضافة، وما السبيل للنهوض به ليكون رافدا رئيسيا من روافد الاقتصاد الوطني.
مشكلة النقاش أنه ما يزال يخلو من المعلومات الرقمية الشاملة التي تمكننا من تقييم القطاع وتحدياته على نحو علمي دقيق، وبغير ذلك فلن نتمكن من اجتراح الحلول المناسبة التي ننشد.
تزداد أهمية النقاش حول الزراعة بعد أن أثبت حضورا اقتصاديا مميزا في ظل ظروف جائحة كورونا، فقد استمر قطاع الزراعة بالإنتاج والعمل رغم ظروف الجائحة، وملأ فراغا مهما خفف من ضغوطات الوباء وساند دولا شقيقة لعبور أزماتها الغذائية بسبب انقطاع النقل وبالتالي استيراد المنتجات الزراعية.
بدا قطاع الزراعة فرصة اقتصادية مهمة بعد أن أثبت وجوده في الظروف الصعبة فتحت الأعين على قيمته الاقتصادية المضافة اذا ما أحسن استغلاله.
في كل عام تقريبا، وعندما تزداد كمية العرض من الخضار (وهذا جزء فقط من قطاع الزراعة)، تنهار الأسعار ويتكبد مزارعو الخضار الخسائر، لتتعالى الأصوات بضرورة إيجاد حلول جذرية لتصويب الأوضاع.
ثم تبدأ عملية تشخيص للمشكلة تتسم بالعشوائية بين من يعتقد أن المشكلة سوء التنظيم للروزنامة الزراعية وضعف وعي المزارعين بها، وآخرون يلومون الحلقات الوسيطة بين المزارع والمستهلك النهائي التي تثري على حساب المواطن والمزارع، فيما يأتي فريق ثالث ليتحدث عن تحدي التصدير الذي يدفع باتجاه فائض بالعرض يقلل الأسعار.
المشكلة مركبة ومعقدة ولا ينفع بها الاجتزاء أو العمل بالقطعة، تحتاج لعمل شمولي على الأبعاد كافة.
المستثمرون الناجحون في القطاع الزراعي هم خير من يستطيع أن يقدم النصيحة حول القرارات المطلوبة لإنقاذ القطاع، ويؤكد هؤلاء أن هذه الحلول والقرارات ليست صعبة ولا مكلفة ولكنها تحتاج لعنصري الشمولية واتخاذ القرارات الجريئة.
يقول هؤلاء إن الزراعة بالفعل مصدر قوة اقتصادية كامن، ويؤكدون أن نسبة مساهمة القطاع الزراعي يمكن بالفعل أن ترتفع كما كانت بالسابق لتسهم بالناتج القومي الإجمالي بنسبة أكبر بكثير من المساهمة الحالية التي تتراوح حول 3 %.
كما يقول الممارسون الميدانيون، إن وفرة المياه تحد مهم، ولكن بين تطور التكنولوجيا الموفرة للمياه وتوفر أنواع زراعات غير مستهلكة للمياه بشكل كبير، يمكن التغلب على هذا التحدي، ويصرّ مستثمرو القطاع الزراعي على أن وادي الأردن ميزة نسبية طبيعية تجعل من بلدنا دولة استثنائية على صعيد الزراعة، فقد حبا الله الأردن بيتا بلاستيكيا طبيعيا هائلا لا يوجد نظير له في العالم إلا المنطقة المحاذية غرب نهر الأردن.
يشخص هؤلاء مشكلة الزراعة بأنها إدارية وعمالية، فنحن نحتاج لجدولة الإنتاج ضمن روزنامة محكمة، وهذا ممكن من خلال تنظيم وتوعية المزارعين بما يزرعون ومتى يزرعونه، وإدخال أنواع زراعة جديدة لا تستهلك الكثير من الماء (كما تفعل الخضار) تعطي ناتجا ممتازا استثنائيا كزراعة التمور، مثلا، التي يصل الاستثمار بها لمئات الملايين.
كما يؤكد المزارعون الحاجة لفتح باب العمالة أمام القطاع الزراعي، فإغلاقها لم يحقق هدف إحلال العمالة الأردنية بدل الوافدة، وكل ما فعله أنه رفع من أجور العمالة الوافدة لمستويات أنهكت الاستثمار الزراعي.