فتح قرار )اليونسكو( إدراج مدينة السلط، على قائمة التراث العالمي، شريط الذكريات عن هذه المدينة العريقة، فأنا ممن ينتمون جغرافيا إلى محافظة البلقاء ومركزها السلط،بحكم أنني من مواليد االغوار الوسطى – لواء ديرعلا، وكانت معرفتي مبكرة لبعض سكان السلط، كانوا تجارا يعملون بالطرق التقليدية، ينزلون إلى منطقة الغور لبيع بعض السلع، مثل الدخان “الهيشي” والاقمشة وغيرها، وكانت تربطهم عالقات طيبة مع سكان الاغوار. وكان العديد من المعلمين الذين يدرسوننا، من السلط ينزلون يوميا، وجاءت مرحلة ثانية تعرفت خلالها أنا وأبناء جيلي على السلط بصورة أعمق، فعندما حان موعد تقديم امتحانات )التوجيهي(، لم يكن في الاغوار قاعات امتحان، وكان لا بد من تقديم الامتحان في مدرسة السلط الثانوية وهي من أقدم المدارس في الاردن، حيث أنشئت عام 1918 ،وتخرج منها العديد من القيادات السياسية والاجتماعية والاكاديمية، التي تقلدت مواقع مهمة في اإلدارة العامة ومناصب عليا في الحكومات المتعاقبة. وكان لا بد من السكن بشكل مؤقت في السلط لمدة شهر، وأذكر أنني سكنت مع ثالثة زمالء في غرفة واحدة عند احدى العائلات، وخلال هذه الفترة تعرفت على السلط المدينة بأحيائها العريقة وبطرازها المعماري وكرم أهلها، وأدراجها الكثيرة التي تعتبر بمثابة مصاعد لسكانها، وتحتاج إلى جهد جسدي كبير للنزول والصعود فيها، حيث جغرافية المدينة جبلية مطلة على وادي السلط، وخلال تلك الفترة تعرفت على مجتمع السلط الذي يشكل صورة مصغرةالاردن فلسطين، حيث تضم المسلمين والمسيحيين في بوتقة واحدة كنموذج للتعايش والتآخي، وكان من المعالم الشهيرة في المدينة مطعم العمد الذي يشتهر بتقديم وجبات الكباب اللذيذة، لكنها توسعت مع تزايد عدد السكان وقدوم عدد كبير من سكان المحافظة، لإلقامة فيها إما بسبب العمل في الدوائر الحكومية أو بالتجارة، أو ألن طقسها معتدل صيفا وتوافر خدمات أفضل فيها. وتوسعت السلط في مختلف الجهات وأصبحت جبالها مكسوة بالمنازل. ومنذ نحو عشر سنوات أصبح شارع الستين الذي يعتبر حزام المدينة من جهة الغرب،ويطل على الضفة الغربية وتم تسميته بشارع القدس، مكانا للتنزه والسهر خاصة خالل ساعات المساء، حيث تحتشد فيه السيارات والمشاة لغايات السهر والتمتع بالطقس الجميل والمنظر الخلاب، لكن لا بد من تذكير الجهات المعنية وخاصة البلدية أن هذا الشارع يشهد فوضى وازحاما شديدا من قبل المركبات التي تقف على جانبي الشارع، بل وتشكل خطرا على حياة المشاة، الامر الذي يتطلب ضبط الحركة ومراقبتها حفاظا على السالمة العامة.. تستحق السلط بجدارة قرار )اليونسكو( إدراجها على قائمة التراث العالمي، بالاضافة إلى خمسة مواقع أردنية أخرى أدرجت سابقا على القائمة، هي: البترا، ُقصير عمرة، أم الرصاص، وادي رم، المغطس. لكن المهم البناء على هذا الانجاز بتطوير المدينة،لتكون أكثر جذبا للسياحة وليس الاكتفاء بالتغني به!