د.حسام العتوم
كتب دكتور احمد اسماعيل راشد مقالة علمية بهذا العنوان في كتاب القدس – ضمن اوراق “المؤتمر الدولي عن القدس” الصادر عن وزارة الثقافة في عمان الاردن عام 2009. ص 433- 452. وهو الامر الذي لفت انتباهي, ودعاني لأبحر الى مضمونها لعلني استفيد, واتفق معها, أو احرك قلمي ناقدا بهدف التوجيه وبتواضع.
وموضوع السياسة الروسية والسوفيتية تجاه القدس غاية في الاهمية حتى في وقتنا هذا المعاصر في زمن صفقة القرن المشؤومة التي أطلق عنانها رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب عام 2017 لتكون اقتصادية, وسياسية, وأمنية بطبيعة الحال. وفي الخفاء حراك مبكر باتجاه تطبيقها من قبل تل- ابيب وجهازها اللوجستي (الموساد), ومن قبل مؤسسات (الايباك), و(البنتاغون), و(الكونغرس). والاهم انها تجري خارج حسابات اعتبار القدس الشريف, ووفقا للشرعية الدولية وقراراتها 242 و338, وللتاريخ اليبوسي – الكنعاني منذ نيف وخمسة الاف سنة خلت، عاصمة لدولة فلسطين, مع ضرورة اعادة اسرائيل لحدود الرابع من حزيران لعام 1967 بقوة السلام بعدما تراجع خيار الحرب.
ويقابل هذه المعادلة موقف روسي معاصر عمقه سوفييتي ينادي اسرائيل علنا ورغم العلاقات الجيو- بولوتيكية العميقة بالعودة الى حدود الرابع من حزيران لعام 1967, انسجاما مع قرارات الشرعية الدولية, ولبناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية, وتجميد المستوطنات غير الشرعية. والاعتراف بالجولان – الهضبة السورية العربية المحتلة سورية عربية خالصة بعكس التوجه الاسرائيلي – الامريكي المشترك الممكن وضعه برمته تحت علامة استفهام كبيرة.
تعود العلاقات الروسية الفلسطينية الى قرون طويلة خلت. منذ أن أعتنقت روسيا الديانة المسيحية بمذهبها الارذودوكسي, وقد ارتبط الروس بالقدس وبالاماكن الدينية المسيحية فيها ارتباطا روحيا كما هي بالنسبة للمسيحيين في مختلف دول العالم. فمنذ القرن الحادي عشر الميلادي بدأ الروس بالحج الى القدس, وقدم الحجاج الهدايا والهبات بسخاء للكنائس وألاماكن المقدسة فيها. (انتهى الاقتباس), وتعليقي هنا هو بأن الكاتب الدكتور اسماعيل لم يتمكن تحديدا من الاشارة الى تاريخ بدء العلاقات الروسية الفلسطينية لعدم توفر المراجع على ما يبدو.
أستاذ القانون الدولي حنا عيسى كتب بتاريخ 7 اذار 2017 على موقع دنيا الوطن الفلسطيني العامل في رام الله وغزة (لقد عرف الروس الشرق الاوسط وسكانه منذ زمن بعيد, وكانت لديهم معلومات عن المستعمرات الاغريقية سوروز وخير سونيس, وهذه العلاقة سبقت امتداد المسيحية الى روسيا. وبعد قبول المسيحية دينا في سنة 1988, ترسخت علاقات روسيا بالشرق, واندفع الكثيرون من سكان روسيا نحو الشرق, وخاصة للحج للديار المقدسة. وقبل ذلك كتب حنا عيسى بتاريخ 18 تموز 2016, أن العلاقات الفلسطينية الروسية تاريخية ووطيدة. وأن لروسيا دورا مهما في احلال السلام, واقرار الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني في اقامة دولة فلسطين مستقلة على كامل حدود عام 1967. ويكتب عيسى ايضا أن في فلسطين تأسست الجمعية الارثوذكسية الفلسطينية في عام 1882, وبعد سنوات قليلة ظهرت كلمة وهي الامبراطورية واصبحت تسمى بالجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية انسجاما مع قرار رقم 1- 285 N الصادر عن مجلس الدوما الروسي بتاريخ 25 -5- 1992 بهدف تطوير علاقاتها بشعوب الشرق الاوسط.
كتب حنا عيسى في صفحة 433 منه أيضا “وبعد أن سقطت القسطنطينية في يد العثمانيين سنة 1453, بدأ الروس يمارسون دور الراعي لمصالح المسيحيين الارثوذكس في الشرق من خلال بطريركية موسكو, فقد جاء في مراسلات راهب روسي الى الدوق يوحنا باسيلي احد الرموز الدينية الروسية المتنفذة في القرن السادس عشر عن الدور الروسي المنتظر تجاه المسيحيين عموما, والارثوذكس خاصة” سقطت روما الاولى في الهرطقة, وسقطت روما الثانية (القسطنطينية) تحت نير الاحتلال التركي, ولكن انبثقت روما الثالثة (موسكو) في الشمال تنير العالم أجمع كشمس ساطعة.. فقد هوت روما الاولى والثانية, أما روما الثالثة فستظل قائمة حتى نهاية الدهور, وهي روما ألاخيرة, فلا خلفية لموسكو, وقيام روما رابعة غير معقول، وهذا يعني أن موسكو أصبحت تشكل منذ القرن السادس عشر الزعامة الدينية الراعية للارثوذكس في العالم وبخاصة في الشرق. ونظرا للمكانة العالية التي مثلتها القدس بالنسبة للروس, فقد كان الروس لا يأتون الى فلسطين والقدس للصلاة والتبرك فحسب, بل كانو أيضا يقدمون العون للكنائس الارثوذكسية القديمة. وتعليقي هنا هو بأن مكانة روسيا في القدس وفي شرقنا كبيرة وعريقة ومدهشة, وتستحق الدراسة بأستمرار لأنصاف دورها التاريخي الذي يصعب تزويره والتلاعب بمفرداته.
وفي مقالة الدكتور راشد العلمية هذه. ص 434 نقرأ ايضا بأنه “منذ بداية القرن التاسع عشر ازداد الاهتمام الرسمي الروسي بالقدس, من خلال اداتها الدينية المتمثلة بالكنيسة الروسية, التي كانت تعتبر كنيسة دولة لها مكانة عظيمة في السياسة الروسية الداخلية والخارجية, حيث كانت الدولة الروسية تعلن عن مشاريعها وسياساتها وتوجهاتها من خلال منابر الكنيسة”. انتهى الاقتباس , وهو الامر الذي يؤكد لنا الرغبة الروسية في الانتشار الديني المسيحي وليس غيره الاستعماري لا سمح الله. ويكتب الدكتور راشد هنا أن روسيا تعتبر من اوائل الدول الأجنبية التي تمكنت من فتح قنصليات لها في الدولة العثمانية, ففي عام 1819 (3) فتحت القنصلية الروسية في القدس لرعاية شؤون الحجاج الروس. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت روسيا تفكر جديا في أن يكون لها موطئ قدم واملاك في فلسطين والقدس, ففي عام 1847 صادق القيصر نيقولا الاول على القرار الخاص بانشاء بعثة روسية مستقلة في القدس, وفي عام 1848 باشرت البعثة مهامها, وعين رئيس البعثة قيما على كافة المؤسسات التعليمية التابعة للبطريركية, كما تم انشاء مطبعة لاصدار الكتب اللازمة للارثوذكس العرب. انتهى الاقتباس, وتعليقي هنا هو أن روسيا كانت مبكرا حريصة على اعتبار القدس مقرا لحجيجها المسيحي ولاعلامها الارثذوكسي, وانصفت القدس ولم تذهب ابعد من ذلك كما فعلت مؤخرا امريكا من خلال صفقة قرنها المشئومة.
ويكتب هنا الدكتور راشد قائلا في نفس الصفحة “ومنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت روسيا تفكر جديا في أن يكون لها موطئ قدم واملاك في فلسطين والقدس، ففي عام 1847 صادق القيصر نيقولا الأول على القرار الخاص بانشاء بعثة روسية مستقلة في القدس, وفي عام 1848 باشرت البعثة مهامها, وعين رئيس البعثة قيما على كافة المؤسسات التعليمية التابعة للبطريركية, كما تم انشاء مطبعة لاصدار الكتب اللازمة للارثوذكس العرب. وفي صفحة 435 يكتب الدكتور راشد ايضا “وفي عام 1858 افتتحت في القدس قنصلية روسية دينية تحولت منذ عام 1891 الى قنصلية عامة, كما تأسست في بطرسبورغ في عام 1856 شركة الملاحة والتجارة الروسية لتنظيم رحلات الحج من أوديسا الى يافا. وفي عام 1859 تم انشاء اللجنة الفلسطينية الخاصة برئاسة الأمير الأكبر قسطنطين نيكولايفتش نجل القيصر نيقولا الاول, الذي قام في شهري نيسان وآيار من العام نفسه بزيارة القدس مع عائلته, وكان ذلك أول حج يقوم به افراد العائلة القيصيرية. ويكتب الدكتور راشد ايضا “ومن الممتلكات الروسية في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 (23) مدرسة في منطقتي القدس والجليل, وعشرات الكنائس والاديرة بينها دير كبير وفخم على قمة جبل الكرمل في حيفا, ودير ينتشر على (64) ألف متر مربع على الشاطيء الغربي لبحيرة طبريا, ان هذه العقارات مسجلة بمعظمها باسم الكنيسة الروسية. انتهى الاقتباس واستطيع ان اقول هنا أن القدس كانت في عمق التاريخ المعاصر تحت عيون روسيا وكل فلسطين ولكن من زاوية دينية وبأفق واسع, وتاريخ القياصرة الروس شاهد
عيان على حجيجهم الاول الى هناك, وهو الذي توسع مع الزمن الى الامام.
ويلفت النظر دكتور احمد راشد صفحة 436 في مقالته هذه بأن روسيا القيصيرية لم تقدم فقط الرعاية والحماية لرعاياها الارثوذكوس, وانما قدمت الرعاية والحماية لرعاياها من اليهود ايضا, خاصة منذ أن أقيمت القنصليات الروسية في يافا والقدس في بداية القرن التاسع عشر, ويبدو أن الرعايا الروس من اليهود كانوا يدفعون للقنصليات الروسية مقابل تقديم الحماية والرعاية لهم, بعكس الرعايا الروس الأرثوذوكس. وتعليقي هنا هو أن الروس كانوا مبكرا يعوا معنى ان تكون القدس الشريف مكانا رئيسا لحجيج الديانات الابراهيمية الثلاثة الكبيرة في التاريخ وحتى وقتنا هذا. وفي المقابل ووفقا للشرعية الدولية عبر الامم المتحدة ومجلس الامن فأن القدس الشرقية باقية عاصمة لدولة فلسطين مهما حرك المشروع الامريكي بوجهها من صفقات, واقصد صفقة القرن المشئومة. والقدس باقية مهبطا للوصاية الهاشمية على المقدسات فيها التي انطلقت مع ثورة العرب الكبرى المجيدة ومؤسسها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه.
ويكتب الدكتور راشد في صفحة 440 هنا بأن ما قاله لينين عن عدم وجود شعب او امة يهودية في غاية الاهمية, فاليهود الذين يعيشون في روسيا, او في أي مكان في العالم, لم يشكلوا شعبا أو امة, واطلاق صفة شعب او أمة عليهم كلام بعيد عن المنطق وعن الواقع, فليس هناك من جامع بين اليهودي الروسي أو الأمريكي, أو اليمني, أو التونسي, أو الكيني, فلا لغة تجمعهم, ولا جغرافية, ولا عادات وتقاليد, وما يجمعهم فقط هو الدين, والدين لا يمكن أن يكون شعبا أو قومية. وهذا ما بأمكاني التأكيد عليه بأن يهود العالم شتات من اصقاع العالم وقدموا الى فلسطين بدعوة من توراتهم لتحقيق حق العودة لهم بعد طرد اهل فلسطين من ديارهم والذين هم اصحاب الحق في العودة الى فلسطينهم التاريخية والمعاصرة التي هجروا منها، وفي صفحة 442 يكتب الدكتور راشد بأن الوثيقة السرية التي نشرتها مجلة “نوفيا فريميا” أي الزمن الجديد تكشف النقاب عن لقاء ستالين مع تيتو, حيث قال فيه إنه يرى اسرائيل كقاعدة سوفيتية في الشرق الأوسط, ويراها كدبوس حاد في مواجهة الامبريالية. ولهذه الأسباب سمح ستالين بهجرة يهود الاتحاد السوفييتي مباشرة الى اسرائيل. وفي صفحة 443 نقرأ عند الدكتور راشد قوله إن المتتبع لتاريخ الحركة الصهيونية العالمية ولدولة اسرائيل يجد ان اسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية انحازت باتجاه الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص والغرب بعامة, وفقد الاتحاد السوفييتي اماله في جعل اسرائيل تابعة له أو قاعدة متقدمة من قواعده في الشرق الاوسط. وخابت أمال السوفييت في المراهنة على الاحزاب العمالية الاسرائيلية لكي تتجه صوب الاشتراكية, وهي التي اتجهت غربا. وهنا والقول لي اسجل بأن اسرائيل مع مرور الزمن وتقلب الاحداث عبر الحرب الباردة طويلة المدى التي رفضها السوفييت, ورفضها الروس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بدأت توازن علاقاتها الجيو بولوتيكية بين امريكا والغرب من جهة, وبين روسيا من جهة اخرى, وعينها على مصلحتها العليا ومنها الامنية, والعين الاخرى على ايران ومشروعها النووي العسكري السري, وعلى حركات التحرر العربية والتي في مقدمتها حماس وحزب الله.