فارس الحباشنة
في النظام العالمي القوة حقيقة نسبية ، وليست مطلقة .
و كما يبدو فان الولايات المتحدة كقوة عظيمة ومهيمنة اصبحت حقيقة يعتريها الكثير من الشك والدحض الاستراتيجي.
في العالم اليوم .. ليست امريكا هي القطب الاوحد والدولة العظمى ، ولا روسيا هي وريثة الاتحاد السوفيتي ، والقوة العظمى المنافسة للامريكا .
و كما ساد في النظام العالمي من افرزات في معادلات القوى وموازينها انتجتها الحرب العالمية الثانية ، وما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة .
القطبية الامريكية جاءت بعد انهيار حلف وارسو وانتهاء الحرب الباردة ، وسقوط المنظومة الاشتراكية .. وانفراد امريكا في قيادة العالم .. ومفكرو العولمة و الليبرالية الجديدة بشروا بنهاية التاريخ والعالم .
النظام العالمي اليوم يعاد ترتيبه ، وموازين القوى هزتها انقلابات من العيار الثقيل ..و لم تعد التصنيفات الماضوية صالحة لقراءة خراي?ط العالم ، ما يقع في منظومة العلاقات الدولية والصراعات والازمات والحروب والتحولات والانقلابات الجيوسياسية .
العالم ما بعد كورونا .. لربما هو التبويب والتحقيب الانسب للعلاقات الدولية الراهنة وتفاعلاتها وحسابات القوة والاقتصاد وعوارض الوباء الاقتصادية والسياسية .
وكما يبدو فان العالم يحيا على معادلات وحسابات جديدة للقوة .. والري?يس الامريكي بايدن في لقاءاته الاخيرة مع الحلفاء الاوروبين والفرقاء الروس كشف عن صيغ استراتيجة جديدة لحوارات وتفاهمات لنظام عالمي جديد يصارع جاي?حة كورونا ومفاعليها .
في سياسة بادين برز ان الصين مفردة حاضرة في جولاته الدبلوماسية .. ولم تغب عن طاولات مؤتمرات بايدن مع الاوربيين والروس ، ومو?تمر المناخ ومؤتمر السبع الكبار والمدوالات العسكرية للناتو ، واللقاءات الدورية الدبلوماسية مع الحلفاء الاوروبيين .
الصين شبح يطارد امريكا في كل رقاع العالم .. واينما ذهب بايدن يخرج من المؤتمر ليتكلم عن الصين .. ولربما هذه المكانة للصين في النظام العالمي ليست مسبوقة ، وحيث انها قوة اقتصادية وسياسية عملاقة واثبة « التنين الصيني « بدا?ت تكشف عن انيابها .
ترامب حاول ان يقطع الطريق على الصين ، ودخل في حرب تجارية شرسة وطاحنة .. وفي ازمة كورونا حاول شيطنة الصين انسانيا وسياسيا .. ورجم الصين واتهمها بالتورط في انتاج فايروس كورونا ، وان كورونا وليد لمختبرات صينية ، ومنظمة الصحة العالمية اطلقت فرق تحقيق بحثا عن حقيقة الاصابة الاولى بالفايروس .
تحولات استراتيجية كبيرة تصيب النظام العالمي ، والصين مفردة صعبة في المعادلة الكونية .. والصين اليوم في حسابات الدول الكبرى ..امريكا وحلفاو?ها الاوروبيين ليست الصين القديمة .
في العلاقة الامريكية /الروسية ثمة تجاذبات وحرب باردة ، واستعادة تفاهمات حول اوكرانيا والعراق وسورية ، والملف النووي الايراني ، وسباق التسلح النووي « ستارت « ، وكلا البلدين يقفان على حد السيف من توزيع هوامش التدخل في ملف الازمات المذكورة دون اختراق لقواعد التوازن الاسترايجي .
في العلاقة الامريكية / الروسية بايدين لا يريد حربا باردة جديدة .. ويبدو في معادلات القوة وتوازناتها ان واشنطن مشغولة كثيرا «في الشبح الصيني» ..
و في سياسة الامريكية فانها عطلت الانجذاب الروسي نحو الصين ، وعطلت في لغة التفاهمات الامريكية / الروسية اي تقارب روسي اكبر نحو الصين .
و في التصعيد الامريكي ضد الصين ، يمضى بايدن في سياسة جر الحلفاء الاوروبيين نحو التجييش ضد الصين .. واستعادة قوة الناتو ، وترميم ما ارتكب ترامب من عوارض في العلاقة مع اوروبا ادت الى حالة من القطيعة والتشنج ، وجنوح الاوروبين نحو فك التحالف التاريخي مع واشنطن ، والتفكير الاوروبي في حسابات جيوسياسة في العالم بعيدا عن واشنطن .
المصالح الاوروبية تتقاطع وتتضارب في الصراع مع الامريكي / الصيني .. ولربما ان الاوربيين ليسوا معنيين في الذهاب نحو واشنطن في معركتها مع الصين القوية .
اي مواجهة للمد الصيني تحتاج الى دعم وتمويل مالي .. ولربما هذا ما لمح به حلفاء امريكا من اوروبيين وغيرهم .. وحتى في الشرق الاوسط فان الصين اختفطت حلفاء امريكا ، وعبتء فراغات لهوامش من انسحاب امريكا من الشرق الاوسط .. والتقارب الصيني الاقتصادي يكبر ويتوسع مع دول خليجية وشرق اوسطية .
قوانين ومعادلة القوة الجديدة في الصراع الامريكي / الصيني لا يعني ان ثمة طرف دولي سوف يتسيد النظام العالمي .. هناك كثير من الاعتبارات في السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية .
الصين قوة واثبة وصاعدة في العالم ، والصين تسوق اليوم مشروعها السياسي والاقتصادي والثقافي ، وتخرج من عباءة الانكفاء والانغلاق الذاتي ، وتعبر للعالم عن نفسها كقوة بديلة ومنافسة وتزاحم امريكا سياسيا واقتصاديا في بقاع كثيرة على الكرة الارضية .