كريستين حنا نصر
انطلاقاً من قبول الدعوة الايرانية ترسل الاردن وزير خارجيتها في زيارة قصيرة للقاء الرئيس الايراني وعدد من المسؤولين، وهذا التحرك الدبلوماسي الأردني ممثلاً بوزير الخارجية أيمن الصفدي يأتي في ظروف متوترة تمر بها المنطقة كلها، ويمكن القول أن هذه الخطوة الدبلوماسية النادرة، باعتبارها أول زيارة لمسؤول بارز في وزارة الخارجية الاردنية الى طهران وبعد انقطاع دبلوماسي منذ حوالي عشرين عاماً.
والسؤال الذي يتبادر للذهن، هو ما هي الرسالة التي نقلها الصفدي للرئيس الايراني مسعود بزشكيان؟، وهل أثمرت الزيارة واللقاءات الدبلوماسية المكثفة ايجابياً للمساهمة في تجاوز التطورات المتسارعة، وما أثر الزيارة فيما يخص العلاقات الثنائية مع ايران؟، الأوضاع السائدة في هذا الصيف أقل ما يقال عنها ساخنة وفي تطور متسارع، خاصة التطورات الاخيرة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية، اضافة لاغتيال القيادي البارز لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت فؤاد شكر، وبالتزامن أيضاً مع حادثة مجدل شمس في الجولان.
ومن المتوقع على ما يبدو أن تتفاقم الأمور في المنطقة وتحديداً بعد التهديدات الايرانية بالثأر لمقتل اسماعيل هنية، واتهامها اسرائيل باغتياله على اراضيها وبشكل يخدش سيادتها، علماً بأن اسرائيل لم تتبنى بشكل رسمي حادثة اغتيال اسماعيل هنية، بخلاف ما صرحت به فوراً واعلنته عند اغتيال فؤاد شكر القيادي في حزب الله، وفي اطار هذه التطورات وفيما يتعلق بالعلاقات الاردنية الايرانية، فانها شهدت مؤخراً تفاقماً واشكالية تتمثل في اختراق صواريخ ومسيرات ايران الاجواء الاردنية في عملية الرد على اسرائيل بسبب قصف سفارة ايران في دمشق، والاهم هو مسألة التخوف من أي اختراق للسيادة والأجواء الاردنية من قبل ايران ، هذه المخاوف الاردنية وفي هذه المرحلة بالذات التي تشهد توتراً يتصاعد كل لحظة، مردها مدى احتمالية أن تُستباح اجوائه وسيادته من قبل ايران في ظل التصعيد المتوقع تفاقمه في المنطقة، فإذا ما نفذت ايران تهديدها بضرب اسرائيل، فإن الاردن يصر على أنه ليس طرفاً في الصراع بينهما، وبالتالي لا يمكن قبول أي انتهاكات ضده، بما في ذلك الحق المشروع في صد الصواريخ انطلاقاً من عدم السماح لأي طرف بمس وخرق السيادة الأردنية.
ان قبول الاردن الدعوة الايرانية وفي هذا الوقت الحرج الذي يشهد تطورات عديدة هو بمثابة حسن نية لبناء علاقات دبلوماسية وثنائية على أساس التواصل الايجابي ومبدأ احترام السيادة، والمنطلق الاردني هو اهمية التشاور والحوار بما يخدم مصلحة الاردن والمنطقة العربية، والمضي قدماً في مساعي خمد التوترات واطفاء شرارة الحرب، وبالتالي قبول الدعوة من الأردن ليس ليكون طرفاً في الصراع، وليس قطعاً بمثابة حمل رسالة أو وساطة بين ايران من جهة واسرائيل وامريكا من جهة أخرى.
وعلى أي حال فإن الكل يعلم وجود محادثات واتصالات في العاصمة القطرية الدوحة بين امريكا وحلفائها مثل الفرنسيين والبريطان والايطاليين، بهدف منع التصعيد وتجنيب المنطقة حرب واسعة، وبالنسبة للأردن فهناك اتفاقية سلام مع اسرائيل وتحالفات عميقة مع أمريكا تشمل تعاون أمني واقتصادي، والأردن ليس طرفاً فيما يسمى محور الممانعة أي ضمن حلف مع ايران كما هو حال حزب الله في لبنان والدولة السورية، وكان واضحاً خلال الضربة الاخيرة التي شنتها ايران على اسرائيل ونتج عنها اختراق السيادة الاردنية بعبور الصواريخ والمسيرات الايرانية الاجواء الاردنية، تحالف الاردن وامريكا وفرنسا لصد الهجوم الايراني ، وكل هذه التطورات لا تعني أن الاردن في حالة عداء مع ايران، بل ان الاردن دولة اقليمية لها مكانتها الاستراتيجية ولديها علاقات دبلوماسية وثنائية وتحالفات دولية وسياسة خارجية مميزة مع عدة دول.
ويجب توضيح أمر مهم وهو رفض الاردن لأي خرق يطال سيادته، ليس فقط في موضوع اختراق الصواريخ الايرانية، بل أيضاً محاولة المليشيات الايرانية والعراقية اختراق الحدود الاردنية، اضافة الى مسالة تهريب الاسلحة والمخدرات طوال فترة الازمة السورية، والتي تزداد اليوم في ظل الصراع في غزة ومطالبة المليشيات الايرانية السماح لها باختراق الحدود الأردنية بذريعة نصرة غزة.
ان العلاقات الاردنية الدولية والتحالفات المتميزة والمهمة استراتيجياً وبكافة النواحي ومع عدة بلدان ومثال ذلك الاردن وامريكا وأوروبا والتحالف المشترك بينهم، انعكاس لحنكة وقوة السياسة الخارجية الاردنية التي تحرص على مصلحة الاردن والدول العربية، فالسياسة الاردنية منفتحة على جميع الاطراف، والاردن في نهاية المطاف يسعى للتهدئة في المنطقة ولا يرغب باشتعال حرب اقليمية، خاصة في ظل التهديدات الايرانية إذ من المتوقع أن تكون الضربة الايرانية خلال منتصف أو آخر الاسبوع الحالي.