محمود الخطاطبة
من بديهيات اقتصاد أي بلد أن الحمايات الاجتماعية، تُقاس بقدرتها على وقاية وحماية المواطنين من المخاطر المحتملة مستقبلًا.. تلك “الحمايات” التي لا تُشكل رقمًا أو أولوية أو أهمية تُذكر لدى المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، تُعد المسؤول الأول والأخير عن ذلك، وكأن هذا الأمر ليس من صميم عملها، وأول هدف أُنشئت من أجله، لتحقيقه.
إن المتتبع للسياسات والإجراءات والقرارات التي اتخذتها “الضمان”، خلال الأعوام السبعة الماضية، يكاد يصل إلى يقين وقناعة بأن سبب تراجع الوضع المالي لهذه المؤسسة، هو المواطن فقط، الذي يكتوي وحيدًا بنيران جل تلك القرارات والسياسات والإجراءات.
الاسم الجديد الذي نستطيع أن نطلقه على مؤسسة الضمان، هو “مؤسسة التعديلات”، حيث أقدمت خلال سبعة أعوام على إجراء ثلاثة تعديلات على قوانينها وأنظمتها، أغلبيتها كانت ضد المواطن، وعلى حساب قوت يومه وعائلته.
فتارة ترفع هذه المؤسسة قيمة الاشتراكات الشهرية، التي وصلت إلى 21.75 بالمائة، من مجمل الأجر الذي يحصل عليه العامل، الذي تبلغ حصته 7.5 بالمائة، وثانية تسمح بموضوع الازدواجية للمشترك، وثالثة تقوم بإلغاء “الازدواجية”، من غير أسباب أو حتى ورشة عمل أو جلسة عصف ذهني، يُشارك بها خبراء ومعنيون في هذا الشأن.
ورابعة، تزيد عدد اشتراكات المؤمن عليهم، وخصوصًا أولئك الذين يُفكرون باللجوء إلى التقاعد المُبكر.
وحاليًا تُفكر بإجراء تعديل جديد، يقضي بإلغاء التقاعد المُبكر، وإن كانت تُريد بإخراجه بطريقة، فيها نوع من الذكاء، من قبيل تطبيقه على المُشتركين الجُدد.. وذلك بعد أن أجرت تعديلًا قبل نحو عامين تضمن رفع سن التقاعد المُبكر إلى 55 عامًا بالنسبة للذكور و52 عامًا بالنسبة للإناث.
مُصرة هذه المؤسسة، كباقي مؤسسات الدولة الأخرى، أن تستهزئ بعقل المواطن، الذي يدفع ضرائب، إذا ما قُورنت بتلك التي يدفعها الآخرون في دول متقدمة، فإنها تُصنف بأنها مرتفعة، لا بل مرتفعة جدًا.
فها هو مدير عام “الضمان”، حازم رحاحلة، يتكلم بإسهاب وكله ثقه بأن العبء المالي للمؤسسة، سببه الرئيس التقاعد المُبكر، قائلًا “إن نسبة كبيرة من المتقاعدين يحصلون على رواتب تقاعدية، تتجاوز ما دفعوه من اشتراكات”.
لكنه تناسى بأن ذلك حق من حقوق المواطن، وخاصة إذا كان أردنيًا، يُعاني الأمرين، كي يصل إلى سن يسمح له بالحصول على مبلغ مالي يقتات منه وأسرته، ويهجر فيه ذلك صاحب العمل الظالم، أو يرتاح قليلًا من الضغط النفسي والعصبي، الذي يُصاحبه خلال أعوام عمل مضنية، صعبة.
يتناسون بأن عدد مشتركي مؤسسة الضمان يبلغ قرابة مليون و163 ألف مشترك، متوسط رواتبهم لا يتعدى الـ508 دنانير، أي بمعنى ثان خط الفقر.
يتناسون وجود 136 ألف مشترك غير أردني، ومع ذلك فهم يحصلون على نسبة بسيطة من تلك الاشتراكات التي كانت تؤديها، على مدى أعوام خدمتها.
يبدو أن المعضلة الوحيدة، التي تُعانيها مؤسسة الضمان، كما هي الحكومات المتعاقبة، هي المواطن، وتناست عن سابق إصرار وترصد، ما قامت به من سياسات واتخاذها إجراءات، كانت من الأسباب الرئيسة لتراجع الوضع المالي لمؤسسة، تُعد من أكبر وأكثر المؤسسات ربحًا.
هل لدى مؤسسة الضمان، الجرأة والمصداقية والشفافية، كي تُفصح عن تلك الشركات والمؤسسات التي قامت بشرائها أو جزء من أسهمها، وكانت “خاسرة”، أو تعرضت لخسائر؟.. هل لديها الجرأة لكي تكشف عما تتقاضاه من أموال، شهريًا، جراء تأمينات كالأمومة والتعطل عن العمل، وما يتم دفعه؟.
هل تستطيع إعلامنا ما قدمت لـ”الخدمات العلاجية، البطالة، العجز، الأمومة، التغطية ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، الشيخوخة، المرض”، وما قيمته؟.