د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
شذرات عجلونية (4)
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أبدأ معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، نتذاكر في كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم. حيث ستكون شذرتي لهذا اليوم عن من أبناء جلدتنا الذين لا يستطيعون أن ينظروا إلى الحياة إلا بعيون غربية.
الدين ليس برنامجاً انتخابياً
قبل أن نَخُوض في انتخاباتنا النيابية، في شذراتنا اللاحقة سنستعرض بعضاً من الطروحات التي إذا نادى بها رجالاتهم رآها المطبلون من أبنائنا أصالة، وتمسكا بالقيم، وإذا مارسها العرب أو المسلمون، أصبحت تعصباً ورجعية، وعُدَّت إسلاماً سياسياً، وليس من الكياسة، إقران الدين بالسياسة، وهي من أكثر العبارات تداولاً أيام الانتخابات من جميع الجهات؛ في التحليلات والتعليقات والندوات والمناظرات.
إذ لا يسمح لأي حزب سياسي أو توجه، أو تيار، تجاوز الدستور في بلاد الغرب، ولذلك لا تجد الدين في برامجهم الانتخابية، ولا يمكن أن يكون الدين برنامجاً انتخابياً، فالدين لدى كُل حكومات الغرب، يعدُ ركناً ركيناً لا يمكن مناقشته، أو الاقتراب من ثوابته، عند صياغة دساتيرهم؛ إذ لا يوجد دستور غربي لم ينص صراحة على دين الدولة؛ بل ومذهبها أحياناً، بل وبتعصب شديد وصارخ للمذهب، ولا تجيز بعض دساتيرهم توريث العرش لشخص زوجته من مذهب آخر، مع أنهم من أتباع الدين نفسه.
يكفينا تحقيق العدل فينا
لا تريد الشعوب العربية قيام دولة دينية يحكمها شيخ، أو حامل للعلم الشرعي حاكماً لها، بقدر ما يريدون حاكماً يحقق العدل فيهم، وأن تتاح الحريات الدينية لجميع الأديان، وأن لا يُضار أحد بسبب معتقده، أو دينه؛ ولا أراني مجافياً للحقيقة إن قلت: إن تضخيم الذين يظنون أنهم تنويريون لبعض الأشياء التافهة حتى تصبح بحجم الجبل، إنما هو مؤشر على خوائهم من أي محتوى مفيد، رغم الحالة التي يحاول رسمها المطبلون من المطالبين العرب، والمسلمين، بهذا.
أفشل الأشياء أجهرها صوتا وأعظمها جثة
يتمسك قادة الغرب ومنظروه، بحقهم في أن يكون دستور بلدانهم تابعاً للكنيسة بشكل رسمي، ولكنهم يقولون لمتنوري بلادنا أنه من معالم الديمقراطية، أن لا يكون للدولة أية صبغة دينية، بل يجب عليك كعربي، ومسلم أن تثبت حسن نواياك بابتعادك عن الدين.
ينفخون رؤوساً جوفاء، بكلام فارغ، ويضخمونها في أنفس مهزوزة من أتباعهم السائرين على نهجهم دون هدى من أبناء جلدتنا؛ من الذين يقنعونهم أنهم مستنيرون، وتنويريون، وحداثيون، وأنهم صنف مختلف عن باقي البشر في بلدانهم.
نعم يعتمد الغرب كثيراً على أبناء جلدتنا في ممارسة ونشر وترويج مبادئهم التي يريدون رؤيتها، في بلاد الشرق عموماً؛ إذ يتهمك الليبراليون في بلادنا بالتزمت، ويتهمونك بالإقصاء، إذا ما خطر لك أن تقرن الدين بالسياسة، متبجحين أنه لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، الدين عندهم فقط في دور العبادة. أبواقهم تتعالى، وطبولهم الجوفاء هي التي تُقرع، ولعل أفشل الأشياء أجهرها صوتاً، وأعظمها جثة، كما هو الطبل الأجوف.
أصالتهم ورجعيتنا
لا يرى عربنا ولا عرباننا غضاضة في أن يحمل ترامب الإنجيل، ولا أن يصطحب معه قائد الجيش إلى الكنيسة، وليس من حرج أن يعلن بوش بأن حربه صليبية، وأنها عادت من جديد، وليس من عيب أن يُحْضِر بوتين قساوسة ليباركوا له غزو سوريا، (بوش، وبوتين، وترامب) لا يقومون بأفعال دينية من وجهة نظر طبولنا العربية الجوفاء، بل هي مجرد تصرفات شخصية؟
لم يرفع (بوش، وبوتين، وترامب) كتب الحداثيين!!! ولم يرفعوا كتابا لـ: جون لوك، ولا فولتير، ولا توماس جيفرسون، بل كتبهم وشعاراتهم وتصرفاتهم كلها دينية. فالارتكاز على الدين في بلاد الغرب خط أحمر لا يمكن تجاوزه، في دساتيرهم قاطبة، ولكن المطلوب من العرب والمسلمين ألا يكون دينهم عندهم عزيزاً، ولبلاد الغرب أن يرفعوا من شأن دينهم، ولكن ليس من حقك أنت في بلاد المسلمين؛ أن تفعل لأنها تعدُ رجعية.
مجرد الشعور الديني، أو بدء الحديث بآية أو حديث، يقول علمانيونا لماذا العودة إلى الوراء؟ هل تريدنا أن نستلهم تعليمات كتاب يبحث في التين والزيتون، ونحن في القرن الحادي والعشرين (21)، عصر الصناعة، والتكنولوجيا، عصر (WI-FI)، و(5G)، (WIRELESS)، (E-learning)، (E-government)، (E-business).
أخبرني؛ كم تريد أن ترجع بنا إلى الوراء
يحدثنا المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة رحمه الله؛ عن رجعيتنا؛ عندما سأله ذات جلسة أحد العلمانيين، مستهزئاً؛ هل تريد العودة بنا إلى الوراء؟ فأجابه بالقول:
•هل تقصد بالوراء 100 سنة، عندما كان السلطان عبد الحميد الثاني يحكم نصف الكرة الأرضية؟ وكان كل ملوك أوروبا يحكمون شعوبهم بتفويض من السلطان العثماني؟
•أم إلى الوراء أكثر زمن حكم المماليك، الذين أنقذوا العالم من المغول والتتار؟
•أم قصدك إلى زمن عبدالرحمن الداخل، الذي طوّق جيشه إيطاليا وفرنسا؟
•أم قصدك عندما كان علماء العرب مثل ابن سينا والفارابي وابن جبير والخوارزمي وابن رشد، وابن خلدون، يعلّمون العالم العربي، والغربي الطبّ، والصيدلة، والهندسة، والفلك، والشعر؟!
•أم قصدك عندما أنشأ المسلمون أول جامعة تعرفها أرض أوروبا في إسبانيا؟ ومن وقتها أصبح الزيّ العربي «العباءة» هو لباس التخرج في كل جامعات العالم، ولليوم وقبعة التخرج مسطّحة، لأنه كان يتم وضع القرآن فوقها في احتفال التخرج
•أم قصدك عندما كانت القاهرة أجمل مدينة في العالم؟ وكان الهاربون من أوروبا الفقيرة يتوجهون إلى الإسكندرية؟ أم عندما طلبت أميركا من مصر إنقاذ أوروبا من المجاعة؟
•أم عندما كان الدينار العراقي يساوي 483 دولاراً؟