
د.حسام العتوم
بعد انقضاء الحقبة الرئاسية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية العظمى جو بايدن عن الحزب الديمقراطي (2020- 2024)، والتي اتسمت بالجفاء مع روسيا الاتحادية العظمى، وبعد قدوم الرئيس دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري بتاريخ 20 / يناير / 2025، تغير وجه أمريكا السياسي والاقتصادي 24 درجة، وبدأت تعطي إشارات إيجابية تجاه روسيا، وأكثر سلبية تجاه القضية الفلسطينية الواجب أن تستمر عادلة وتفضي لبناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وبقاء الفلسطينيين الأشقاء في أرضهم بعد إعمار غزة المنكوبة، تماما كما يريد الفلسطينيون والعرب مسلمين ومسيحيين. وجاء اللقاء الروسي – الأمريكي في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بمستواه الدبلوماسي والسياسي الوازن الثقيل بتاريخ 18 نوفمبر 2025 ومن المسافة صفر، ليشكل رافعة لمرحلة جديدة يتوقع منها أن تكون مشرقة في قادم الأيام والشهور، ولقد مثل الجانب الروسي ( سيرجي لافروف وزير الخارجية، ويوري أوشاكوف كبير مستشاري قصر “الكرملين” الرئاسي. ومثل الجانب الأمريكي ( ماركو روبيو وزير الخارجية، ومايك ولتز مستشار الأمن القومي، وستيفين ويتكوف المبعوث الخاص للشرق الأوسط )، وشارك في حضور جلسات الحوار وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العبيان. وتم تركيز الحوار حسب تصريح من موسكو للرئيس بوتين على العلاقات الثنائية الروسية – الأمريكية الواجب ترتيب أوراقها لتصبح عالية الثقة ومفيدة خاصة على المستوى الدبلوماسي، والتطرق لملف الشرق الأوسط والأخر الأوكراني الذي ستشارك به كل الأطراف المعنية رغم رفض ” كييف ” للحوار في اسطنبول.
ولعل سبب أن يكون لقاء الدولتين والقطبين العظميين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية في الرياض، هو لحياد السعودية من الحرب الروسية – الأوكرانية ومع ” الناتو” بالوكالة، وحرصها على الحوار وعقد السلام بين روسيا وأوكرانيا، ولتشجيعها دول مجلس التعاون الخليجي على تقديم مساعدة إنسانية للشعب الأوكراني إلى جانب مساعدتها له مباشرة بقيمة مالية بلغت 410 ملايين دولار، ولرغبة الرئيس ترامب بجلب استثمار مالي سعودي يتراوح بين 600 مليار دولار إلى 1000 مليار دولار. والهدف الأول للقاء الروسي – الأمريكي رفيع المستوى هو تطبيع العلاقات الروسية – الأمريكية التي أصابها الجفاء في الفترة الرئاسية الأمريكية السابقة، والتشاور حول إيجاد مخرج للحرب الأوكرانية التي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات بين الأعوام (2022 و2025)، بينما جذورها امتدت في عمق الزمن المعاصر إلى عام 2014 حيث اندلع انقلاب ” كييف ” بسبب حراك التيار البنديري الأوكراني المتطرف والمتعاون لوجستيا حينها مع بريطانيا – باريس جونسون، وأمريكا -جو بايدان، وابنه هانتر.
اللقاء الروسي – الأمريكي الجديد والمفاجيء لم يروق للرئيس الأوكراني أو رئيس دولة ” كييف ” فلاديمير زيلينسكي بسبب انقلاب أمريكا – ترامب عليه، واصطفافها لجانب روسيا – بوتين، ولجانب الحقيقة، ولم يروق لأوروبا التي اشتاطت غضبا لانفراد الرئيس ترامب في اتصاله مع الرئيس بوتين، ولمطالبته زيلينسكي بتعويض أمريكا عن ما دفعته من مبالغ على الحرب الأوكرانية بواسطة الحصول على المعادن الأوكرانية النادرة الثمينة وبقيمة 500 مليار دولار، وهو الذي رفضه زيلينسكي لاحقا بسبب خسرانه كل المراهنات على الخروج من الحرب منتصرا، ومطالبة أوروبا بتعويض أمريكا جراء مساعدتها في الحرب الأوكرانية بقيمة 200 مليار دولار، ولقوله بأن أمريكا هي التي تحمي ” الناتو ” وليس العكس، ولتصريحه بأن روسيا هزمت نابليون بونابارت وأودلف هتلر، والذي هو حقيقة، وباستغرابه محاربة أوكرانيا- زيلينسكي لروسيا الدولة العظمى التي تملك السلاح الضخم، والتجارب العسكرية الكبيرة.
لقد راهن الرئيس فلاديمير زيلينسكي المنتهية ولايته، والذي يحكم العاصمة ” كييف ” وغرب أوكرانيا بالأحكام العرفية على أمريكا – جو بايدن كثيرا، وفشل رهانهما معا بقدوم الرئيس دونالد ترامب المنصف لروسيا الاتحادية في ملف الحرب الأوكرانية التي أن الأوان لها لكي تنتهي. وتصريح جديد هام للرئيس ترامب بقوله، بأن أوكرانيا، ويقصد العاصمة ” كييف ” لا يحق لها ورئيسها حضور جلسات الحوار الروسي – الأمريكي في السعودية لأنها أضاعت كل فرص الحوار والسلام، ولم يتمكن من إنهاء الحرب خلال ثلاث سنوات.و بالمناسبة كتابي ” مشهد من الحرب الروسية – الأوكرانية ومع “الناتو” بالوكالة التي يراد لها أن لا تنتهي، وكتب تقدمته دولة السيد طاهر المصري، وهو الصادر عام 2022 لازال يجيب على أسئلة الحرب.
راهنت أوروبا التي ربطت عربتها بالولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جو بايدن على تحقيق نصر مشترك على روسيا الاتحادية بسلاح حلف ” الناتو ” ولتحقيق هدف ديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح تحت غطاء حماية استقلال ” كييف ” الذي كان بإمكانها المحافظة عليه عبر اتفاقية ” مينسك “، والحوار المباشر، ومن خلال حوار تركيا، لكن هيهات ؟! فلقد خسر التحالف الغربي إلى جانب ” كييف ” الحرب، وخسروا المال الوفير الذي تجاوز 300 مليار دولار من خزائنهم. وها هو الرئيس ترامب يوجه سؤالا للرئيس زيلينسكي أين ما تبقى لديه من مال الذي استلمه من الغرب ؟ ولا جواب ؟!. وفي المقابل بدأ الرئيس زيلينسكي يشعر بالهزيمة ويرتعش، وبإنقلاب الرئيس ترامب عليه وعلى ما تبقى من بلاده أوكرانيا، وصرح بذلك علنا في مؤتمر ” ميونيخ ” في ألمانيا حديثا. ومؤتمر ” باريس ” أكد أهمية تحقيق سلام أوكراني عبر امتلاك القوة، وهي النظرية التي فشلت أيضا. ودعوة روسية قادها الرئيس فلاديمير بوتين، وأمريكية قادها الرئيس دونالد ترامب للرئيس زيلينسكي لكي يجري انتخابات رئاسية في غرب أوكرانيا ويتخلص من الديكتاتورية، في وقت أصبح يعرف العالم فيه بأن شرق أوكرانيا وجنوبها (لوغانسك، ودونيتسك ” الدونباس “، وزاباروجا وخيرسون، والقرم) أصبحت في العهدة الروسية وإلى الأبد. وهو ما يرفضه زيلينسكي بسبب الحرب، بينما هو لا يملك حق توقيع السلام مع روسيا في الفترة العرفية الحالية.و هاهو النائب السابق الأوكراني يفغيني مواريف المعارض للحرب يعلن ترشحه رئيسا لأوكرانيا.
و الأن ومن وسط مؤتمر(ميونيخ) تندلع شرارة انشقاق “الناتو” عن الولايات المتحدة الأمريكية بعدما وقع الفأس بالرأس، وكشف الرئيس ترامب بإن الحرب الأوكرانية خدعة، وهي التي بدأت من وسط العاصمة ” كييف ” ولم تبدأ من موسكو أكيد. ووجه فريقه المفاوض عالي الشأن للتفاوض مع روسيا عبر وفدها المفاوض رفيع المستوى أيضا في العربية السعودية. وفي الوقت الذي تم زرع الخوف فيه من قبل العهود السابقة الأمريكية في أوروبا من روسيا، وعلى أنها تخطط لغزوها، ثبت بأنه مجرد سراب في سراب، ولا أطماع لروسيا حقيقة في أوروبا ولا خارج حدودها، وما يجري وسط الأراضي الأوكرانية شرقا أمر مختلف، يطلق عليها مصطلح ” روسيا الصغيرة ” وتشمل غرب أوكرانيا التي قدمها جوزيف ستالين وقتها لها. ومن يبدأ الحرب يخسر الأرض والدولة، ولا توازن عسكري على الأرض بين العاصمة ” كييف ” وحتى في ظل دعم ” الناتو ” السابق مع روسيا الاتحادية العظمى التي تحتل الرقم 1 في ترسانتها النووية العسكرية، وتتميز في سلاحها التقليدي، والبحري، والفضائي، وعلى مستوى تجارة السلاح عالميا.
وفي الختام هنا ثمة ملاحظة تستحق الانتباه لها وهي، بأن الهجوم الأوكراني الحديث على محطة النفط الروسية جنوب روسيا في بحر القزوين مصدره الغرب الرافض للحوار الأمريكي مع روسيا، ولشعوره بخسران كافة أوراقه السياسية، والمالية. دعونا نراقب المشهد عن قرب.