الدكتور محمد القرعان
بنظرة سريعة على تاريخ الأمة العربية والاسلامية وللأدوار المهمة التي كانت لها في تاريخ الحضارة والشعوب في مختلف العصور وأمام النقلة النوعية الكبرى التي قامت بها الأمة العربية بعد هجرة النبي العربي . وقد شكلت اسهامات العرب والمسلمين الممتدة من القرن 8 الميلادي وحتى القرن 16 للميلاد، في تطور الحضارات وابتعاث حركة التنوير والحضارة الأوروبية الحديثة مصدرا فخر واعتزاز لكل عربي ومسلم ومن انتسب لهذه الامة، وسيظل ذلك تراثاً خالداً يلهمنا في حاضرنا ويدفعنا إلى مستقبل زاهر للعالم وللإنسانية جمعاء.
ولا شك في ان الأمة العربية كانت وصلت إلى أعلى المراتب في العلم والحضارة والتقدم لكنها بعد ذلك انقطعت عن التقدم وجمدت في مكانها ثم أخذت تتقهقر في ميادينها فمدارسها أهملت العلوم بأجمعها وعلماؤها وأدباءها صاروا يقتصرون على اجترار الأبحاث الدينية واللغوية من غير ابتكار ولا تجديد .
وقدمت الحضارة العربية والانسانية علماء متميزون أمثال ابن سينا والرازي وابن الهيثم وابن النفيس والزهراوي ، قدموا المعرفة العلمية للإنسانية .
فبينما كانت أوروبا تعيش في عصور الظلمات خلال الفترة الواقعة بين (476 م – 1000م) كان العالم العربي والإسلامي يعيش في عصر التنوير في تلك الحقبة (650 م – 1100م)، إذ كان الاجتهاد والاختراع والبحث والتأليف والتنقيب والترجمة مفتوحة على مصراعيها.
والتراث العلمي العربي غني جداً بالعمل والمعرفة لدرجة أنه كان يتحتم على الإنسان المثقف الذي يريد الإلمام بكل جوانب علوم عصره أن يتعلم اللغة العربية’ والمؤرخ والفيلسوف جورج سارتون في كتابه تاريخ العلم قال : ‘ إن علماء الإسلام والعرب عباقرة القرون الوسطى ، وتراثهم من أعظم مآثر الإنسانية . واضاف إن الحضارة العربية الإسلامية كان لا بد من قيامها. وقد قام العرب بدورهم في تقدم الفكر وتطوره بأقصى حماسة وفهم، وهم لم يكونوا مجرد ناقلين كما قال بعض المؤرخين بل إن في نقلهم روحاً وحياة .
فبعد أن أطلع العرب على ما أنتجته قرائح القدماء في سائر ميادين المعرفة نقحوه وشرحوه وأضافوا إليه إضافات هامة أساسية تدل على الفهم الصحيح وقوة الابتكار’ .
وهذا لم يأتي من فراغ فقد بذل العرب قصارى جهدهم في البحث والتنقيب حتى ارتقوا الى هذه المكانة المرموقة بين الامم وجعلت منهم مصدرا علميا ومعرفيا تتقدم فيه الامم ، فكان الانجاز على صعيد العلوم الرياضيات والكيمياء والطيران والعلوم الطبيعية والانسانية والطبية كافة.
وافضل ما كان يميزها الجمع بين علماء الامة من كل جنس ودين وطائفة واحتضانهم ودفعهم للانجاز ، وأتاحت لهم مناخ الملائم والمجال الواسع والإمكانات لينتجوا بغزارة في مجال العلوم، ويقوم هؤلاء بدورهم بتعليم وتدريب جيل اخر غيرهم من الأجيال الجديدة ليستمر العلم بغزارة.
وافرزت هذه الحضارة العلماء الذين درسوا تاريخ الأمم والحضارات الأخرى التي سبقتنا، مثل البيروني في دراسته لحضارة الهند وعقائدها، ومن ثم تمكين هؤلاء من استخدام مواهبهم وإجراء تجاربهم والاهتمام بالمنهج العلمي التجريبي الذي ابتكره العلماء العرب. لنا من الماضي دروس كثيرة لكن من يبادر الان من هذه الامة للسير على ما زرعه الاجداد وعلى ما قدمته حضارتنا للامم وللعالم ، فمن يقرع الجرس؟