اسعد العزوني
هناك رجال جبلوا على الخير والمعروف ،وكانت جيناتهم جينات بطولة وسؤدد ،ولكن التاريخ لم ينصفهم ،لعدة أسباب منها أنهم هم أنفسهم ربما قصّروا بحق أنفسهم ،ولم يروجوا لأنفسهم لعدم حبهم في الظهور ،ولقناعتهم التامة أن عمل الخير والطيبة والإحسان والكرم ،إنما هي صفات جبل الله الإنسان عليها ،وبالتالي لا داعي للتفاخر بها ،على عكس البعض الفارغ الذي يجيد فن النطنطة ويعمل من الحبة قبة كما يقول المثل،ويوهمون الجميع أنهم متميزون عن غيرهم وانهم أنجزوا في حياتهم ،دون ان يقدموا شيئا ملموسا كدليل ،لأنهم يعلمون جيدا أن أحدا لن يحاسبهم على ما يقولونه ،وما يعنينا هنا هو الصنف الأول الذي يجسده البطل عبد الحليم الملاعبة بطل معركة وادي الصرار بالقدس نموذجا ،ونظرا لما أبداه الراحل الكبير من بطولة فقد إحتسبه اهالي المنطقة شهيدا عند الله،وهذا ما دعاني إلى الكتابة عنه بعد الضغط على إبنه الصورة طبق الأصل عنه البروفيسور العلامة أحمد الملاعبة.
ترك الراحل عبد الحليم الملاعبة حياة العز والغنى الذي خلفه لهم أبوهم طيب السمعة والصيت أحمد الملاعبة الذي كان تاجرا وإقطاعيا ،وإختار الإنضمام إلى الجندية كرمز من رموز الوطن ورغبة ملحة في الدفاع عنه ،وتخرج من الكلية العسكرية برتبة مرشح ضابط،ووصل إلى مرتبة مدير التموين والنقل الملكي،وبطبيعة الحال فقد تنقل الراحل الملاعبة في كافة أرجاء الوطن ،حسب ما تقتضيه العسكرية ،ومن مآثره غير الإلتزام والطيبة والإستقامة وإيثار الغير على النفس والأبناء ،بناؤه مسجدا في معسكر بالزرقاء ،وبادر إلى نقل مخططه من وسط المعسكر إلى حافته لإتاحة الفرصة للمدنيين كي يصلوا فيه جنبا إلى جنب مع أبنائهم وإخوانهم العسكريين ،كما انه أسهم في بنائه رغم ضيق ذات اليد ومحدودية الراتب،كما قام بنقل قطع أثاث وثريات نحاسية ثمينة من بيته إلى المسجد لتزيين سقوفه بالثريات،والأهم من هذا كله أنه رفض إطلاق إسمه عليه ،وهذه مأثرة نادرة في هذا الزمان.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز مخاطبا نبيه الخاتم محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي تكريما له وتجسيدا لواقع أراده الله له ،إثباتا لموقعه عنده ومحبته له “وإنك لعلى خلق عظيم”،وإنسحبت هذه الآية الكريمة على راحلنا البطل عبد الحليم الملاعبة، الذي إنتهج النهج الديني مبكرا بدون غلو أو تطرف،وأوصى بذلك بنيه من الجنسين .
كما إنتهج راحلنا نهجا تميز به ،وهو انه كان يعمل لوجه الله تعالى،وكرس ذلك بالمسجد كما أسلفنا ،ودخل عالم التأليف وغاص في عناوين محدد ،وكان رسالته معرفية بحتة ،ولم يبحث عن الكسب المادي ،وكتب وأبدع في الأدب والفلك وغير ذلك،وله العديد من العناوين المعرفية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على نقاوة معدنه وطيبة نفسه ،وإلا لما لجا إلى الغوص في مواضيع كالخيول العربية والكرم عند العرب والمسواك والعسل،وكان هدفه بطبيعة الحال تزويد الناشئة بمعلومات قيمة لتذكيرهم بحقيقة أصلهم ،وما يجب ان يكونوا عليه،ومجمل هذه الكتب تدل على نهج الرجل القويم المستقيم القريب من الله سبحانه وتعالى.