د عماد زغول
ليس غريبًا ما نشهده في عالمنا العربي والإسلامي من ضعف وتناحر وتقاتل وتخاذل على مختلف الأصعدة، رغم أن عناصر الوحدة بين شعوبنا كثيرة ومتينة. فنحن نتشارك في اللغة والتاريخ والجغرافيا، ولدينا همّ مشترك وعدو مشترك، كما نواجه مصيرًا واحدًا، إلى جانب ما تتيحه الإمكانيات الاقتصادية من فرص لبناء وحدة متكاملة.
لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: من أو ما هو هذا العامل السحري الذي يُفرّق وحدة الأمة، ويزرع التشتت بين أفرادها، وأحزابها، ومكوناتها العرقية، والقومية، والفكرية؟
لا شك أنه “العَلف الطائفي” – ذلك السمّ الذي يُعدّ بعناية، وتُضبط نسب مكوناته بدقة، لتتناسب مع كل جماعة أو طائفة أو فرد. فكلما زادت الحاجة إلى إذكاء الفُرقة، ارتفعت نسبة السمّ في العلف المُقدم. ويُغلّف هذا العلف، ويُسوّق بآلات إعلامية ضخمة، تجعل من الصعب مقاومته، بل يتغذى عليه المتلقون حتى تنتفخ عقولهم بالكره والبغضاء، ويصبح التعايش ضربًا من المستحيل.
تتوارث الأجيال هذا “العلف” جيلاً بعد جيل، فتُزرع فيهم جينات العداوة والرفض، حتى أصبحنا نعيش في دوامة متكررة من إنتاج الكراهية، لا تخرج عن أطر الخلافات التاريخية، وخاصة تلك المرتبطة بما يُعرف بـ “الفتنة الكبرى”. فالمناهج الدراسية، والمؤلفات الفكرية، والبرامج الحوارية، وحتى الأعمال الفنية، لا تزال أسيرة هذا الزمن، وتُعيد اجترار ذات الصراعات التاريخية، وكأن الأمة لا قضية لها سوى الخلاف بين علي ومعاوية، أو بين عثمان والخلافة الأموية والعباسية والعثمانية.
واللافت أن هذا الحضور الطاغي للخلافات التاريخية يتضاعف في مواسم معينة، مثل شهر رمضان، حيث تغرق الشاشات بمسلسلات وأفلام تستحضر تلك الفتن، دون أي محاولة جدية لتقديم عمل يُجمع الأمة على قضيتها الجوهرية، أو يسلط الضوء على قضايا العصر الملحة، كنهضة التعليم، وبناء الاقتصاد، وريادة الشباب، ومواجهة تحديات الفقر والبطالة واللجوء والفساد.
وهنا أطرح سؤالاً صريحًا: من يصنع هذا “العلف الطائفي”؟ من يموّله؟ ومن يملك وكالته الحصرية في كل بلد؟ ومن المستفيد من تسميم العقول، وتعطيل بوصلتنا عن أولوياتنا الحقيقية؟
أختم بالعودة إلى النبع الصافي الذي لا تشوبه شائبة، وهو قول الله تعالى:
{وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
فالتعارف هو الغاية، والتقوى هي معيار الكرامة، لا العِرق، ولا الطائفة، ولا التاريخ، ولا الشعارات.
إن كرامة الإنسان هي جوهر الدين ولبّ العقل السليم.
فكلما رأيت خللاً يطال هذه الكرامة، فاعلم أن “السمّ في العلف”