رمزي الغزوي
بعد الخروج الأولي من إغلاقات جائحة كورونا ظهر عند بعض الناس في عدد من الدول الغربية، وحتى لدينا، مرض هو أقرب إلى النفسي منه إلى الجسدي أطلق عليه علماء الاجتماع: «متلازمة الخروج من الكوخ».
فبعد أشهر العزلة ولزوم البيوت والركون إلى جدرانها، والتمترس خلف ستائرها الثقيلة وجد البعض صعوبة بالغة في العودة التدريجية إلى حياتهم وكأنهم خافوا أن يواجهوها من جديد، أو كأن تلك الوحدة راقت لهم وأحبوها، ولهذا فهم يفضلون أن يبقوا متصومعين ومتقوقعين ومنكمشين على أنفسهم، مما يصعّب عليهم العودة إلى سابق عهدهم متخلصين من تلك الحالة التي فرضتها عليه ظروف التباعد.
لذلك أتوقع أن نعاني كثيراً حين تعود المدارس والجامعات إلى دوامها الوجاهي، وسنرى البعض يطالبون بشدة البقاء في مجال التعليم عن بعد، ليس لأن الكثير منهم قد اكتسبوا عادات جديدة من نوم متأخر وسهر طويل وتأقلم على التعليم عن بعد، بل لأن حواجز نفسية نشأت في ظل ذلك البعد، أو لأن مكاسب مهمة تحققت لبعضهم «كزخ العلامات» وارتفاع نسبة الحاصلين على امتياز.
أول أمس اعتصم طلبة دبلوم التربية، وهم معلمون بالمناسبة، في إحدى الجامعات رافضين التدريس الوجاهي بنسبة 50 % والامتحانات في حرم الجامعة، كما أقرت وزارة التعليم العالي، ومطالبين بأن تكون كامل الدراسة «عند بعد»، بحجة الخوف من عدوى كورونا، رغم أن لا أحد منهم كان يضع كمامة على وجهه خلال الاعتصام.
ومن الأدلة الأخرى على ذلك التوقع، أن وزارة التربية والتعليم حين أعلنت عن تعويض الفاقد العلمي لجميع طلبتها قبل بدء العام الدراسي الجديد لم يسجل على المنصة سوى 300 ألف طالب وطالب من أصل مليوني طالب أو أكثر. فأين البقية يا جماعة؟. أين شوقهم إلى مدراسهم وكتبهم؟، أين حنينهم لزملائهم ومعلميهم؟ أم أنهم لم يشعروا بذلك الفاقد التعليم الذي نتحدث عنه؟.
الجامعات والمدارس ليست محاضرات ودروس واختبارات، بل هي حياة تتكاملُ وتتناغمُ بما يكتسبه الطلبة من خبرات ومعارف ومهارات تواصلية إنسانية. هي صداقات تبقى أبد الدهر وعلاقات تبني الشخصية وتنضجها، وهذا ما لا يستطيعون نيله من خلف الشاشات.
ومع هذا فلن تكون العودة القادمة إلى حياة المدارس والجامعات سهلة ولن ترجع كسابق عهدها قبل الكورونا، وسنرى كيف أن بعض الطلبة سيكونون بحاجة إلى عادة تأهيل نفسي للخروج من كوخهم، وأن بعضهم سينادي بالتعليم عن بعد بشكل مطلق للبقاء في دفء البيوت.