د. محمد كامل القرعان
يؤمن الأردن دائمًا أن استقرار منطقة الشرق الأوسط مرتبط بشكل مباشر بإيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، وهذا لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للقرارات الدولية. وجاء موقف الأردن اليوم مستخدما ثقله الإقليمي والدولي لمنع التهجير وحماية حقوق الشعب الفلسطيني مطابقا تماما لهذا المبدأ وواضحا وراسخا وينطلق من عدة مرتكزات، أولا: رفض التهجير القسري للفلسطينين من أراضيهم، وهي رسالة واضحة للعالم أن الأردن لن يقبل بمخطط التهجير مهما بلغ حجم الضغوط التي قد تتعرض لها، وهو ما يعكس موقف الأردن الراسخ من دعم القضية الفلسطينية. وثانيا: دعم الحقوق المشروعة من خلال دفاع الأردن دائما عن حق العودة للاجئين، ووقف الاستيطان الإسرائيلي، ورفض أي إجراءات لتقوض حقوق الفلسطينيين. وثالثا: رفض تصفية القضية الفلسطينية من خلال معارضة الأردن لأي مشاريع أو حلول جزئية تهدف إلى الالتفاف على الحقوق الفلسطينية، مثل صفقة القرن أو أي مخططات تقوض حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة. رابعا: دعم الوحدة الفلسطينية، يؤكد الأردن أهمية إنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، وخاصة بين فتح وحماس، لتحقيق موقف فلسطيني موحد في مواجهة الاحتلال. خامسا: رفض تهويد القدس، وهنا ترفض المملكة أي محاولات لتغيير الهوية العربية والإسلامية للقدس، وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة. سادسا: حماية الأمن القومي الأردني واعتباره خط أحمر، وترى المملكة أن استقرار فلسطين جزء من استقرار المنطقة، وأن حل القضية بشكل عادل هو مفتاح السلام في الشرق الأوسط. ومن المعلوم للجميع أن هذه الثوابت لم تتغير رغم التحديات والضغوطات السياسية والاقتصادية التي تواجهها المملكة، حيث ثبت الأردن لاعبًا رئيسيًا في دعم الحقوق الفلسطينية على مختلف الأصعدة، وهو ما أكدته المواقف والثوابت الأردنية المستمرة بأعتبار الأردن هو الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية. وفي هذا السياق ينعكس موقف عمان الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما أكده الأردن بانه لن يشارك في هذا الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، انطلاقا من أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم هو جريمة إنسانية تتعارض مع القانون الدولي، وانتهاك صريح لاتفاقيات جنيف التي تحظر التهجير القسري، وهو أمر لا يمكن للاردن قبوله أخلاقيًا ولا تاريخيًا لذلك فالتهجير بالنسبة للاردن بات خط أحمر لا يمكن المساس به، وأي محاولة لنقل الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم ستخلق أزمة أمنية للمنطقة وللاردن، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير ديموغرافي خطير في?المنطقة، مما قد يفتح الباب أمام صراعات طويلة الأمد، بالإضافة إلى أن تهجير الفلسطينيين يعني عمليًا تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى أزمة إنسانية، وهو ما يتماشى مع المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى إفراغ غزة من سكانها من أجل تحقيق أحلامهم التوسعية. وتكمن خطورة المحاولات الغربية لفرض حلول قصيرة المدى للأزمة عبر نقل الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم، بتصاعد التوتر الإقليمي وخلق حالة من الفوضى في المنطقة، مما يتطلب ضرورة بناء موقف عربي موحد لرفض مخطط التهجير، ومما يعزز التضامن العربي في مواجهة المخططات الإسرائيلية. والمجتمع الدولي اليوم مطالب بإعلان الرفض التام لمخطط التهجير، مع التأكيد على ضرورة أن يكون حل الصراع حل سياسي من خلال تطبيق حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لمقررات الأمم المتحدة. وتعكس تصريحات جلالة المللك في أعقاب اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن توجهات دوائر صنع القرار الأمريكية والإسرائيلية التي ترى أن الحل الأمثل هو إخراج الفلسطينيين من أراضيهم بدلًا من إنهاء الاحتلال، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى أزمة لاجئين بلا وطن، فضلا عن خلق واقع ديموغرافي جديد يهدد استقرار الأردن ومصر، وهو ما يترتب عليه إعفاء إسرائيل من مسؤولياتها وإلقاء العبء على الدول المجاورة. وشكل الموقف الأردني رفض قاطع بلا مواربة، فالاردن لم يكتفِ برفض الفكرة سياسيًا، بل تعامل معها كتهديد مباشر للأمن القومي، لذلك جاءت التصريحات الرسمية بداية من وزارة الخارجية وصولا إلى القيادة الأردنية والشعبية ممثلة في الملك واضحة تجاه رفض التهجير القسري، والتأكيد على الأردن ليس وطنا بديلا لفلسطين وكون ذلك اعتداء على سيادته، ولا يمكن أن تكون حلًا لقضية صنعتها إسرائيل باحتلالها للأراضي الفلسطينية. وأمام هذا وذاك، لا بديل لحل القضية الفلسطينية إلا بتنفيذ الرؤية الأردنية التي ترتكز على تحقيق السلام العادل والشامل وفقًا لمرجعيات دولية معترف بها، وذلك من خلال تنفيذ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين بشكل قاطع، والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق العودة للاجئين الفلسطينيين.