اسعد العزوني
لتشكيل مجلس وزراء عتيد
حبا الله الأردن بهدية ربانية لم تكلفه شيئا ،وأثرها كبير على تطور البلد ونهضته والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة،علما أن الآخرين يدفعون ثمنا باهظا نظير ذلك ،وهذه الهدية الربانية هي التعددية العرقية والثقافية ،والرغبة الملحة في إستثمار شعبنا في تعليم أولاده ،إذ أننا الدولة الأقل نسبة في مجال الأمية ،ومع ذلك لم نستغل هذه المكافأة الربانية ،ولم تستثمر الحكومات المتعاقبة في مخرجات التعليم عندنا،ما أدى إلى هجرة الكفاءات الأردنية إلى الخارج وإبداعهم هناك،والحسرة تقطع قلوبهم لأن إبداعاتهم لا تسجل لوطنهم الطارد للكفاءات.
هذه المقدمة الطويلة لا بد منها للدخول الصعب في موضوع تشكيل الحكومات الأردنية ،التي تفشل بمجملها في تنفيذ ما يوكل إليها في كتاب التكليف السامي،ونشهد أداء مضطربا لا ينم عن خبرة أو ولاء وإنتماء،فمن عدم التجانس إلى إنعدام الخبرة،وجهل في طوبوغرافية وجغرافية الأردن ،ولا أغالي إن قلت أن الأمر الأخطر يكمن في عدم ولاء البعض المدلل للأردن،لأنهم نزلوا بالبراشوت”من فوق فوق وبعيد بعيد”،بتوصيات من بعض السفارات والبنك وصندوق النقد الدوليين ،وهؤلاء بطبيعة الحال خارج نطاق المحاسبة.
ليس صعبا تشكيل حكومة ناجحة ومنتجة وكفيلة بإحداث نقلة نوعية في البلد،فنحن أولا شعب منفتح والأردن بشكل عام يضم كفاءات ولا أروع،ولا نريد إستعراض سجلات إبداع الأردنيين في الخارج،ومن المؤكد أن القيادة تتمنى وجود حكومات مبدعة فاهمة لدرسها وتعرف مصالح البلاد والعباد،ولكن الأمور لا تقاس بهذا المقياس ،إذ يبدو أن هناك من يعطل المسيرة بوضع العصي في الدواليب لمنع الحركة ،وهذه دعوة لتجاوز الواقع المعاش خاصة بعد التطورات الدرامية التي يشهدها الشارع منذ فترة .
يجب علينا إختيار الوزراء بميزان الألماس وليس الذهب،في حال أردنا التغيير الإيجابي،وأولى الصفات المطلوبة في الوزراء الميدان ،بمعنى أن يقضي الوزير معظم وقته في الميدان يضح الحلول المناسبة ويكتشف بنفسه الواقع ،بعيدا عن التقارير المكتبية التي لا تغني ولا تسمن من جوع،وأن يكون الوزير وازنا وخبرته تشهد لها نظرياته العلمية ،وإسهاماته في المؤتمرات الدولية الإستراتيجية،لأن هذه المواصفات تتيح لنا إختيار العقل والحكمة،ولا أظن اننا سنعجز عن إيجاد وزراء بهذه المواصفات،فجامعاتنا تعج بأمثال هؤلاء المبدعين أصحاب ملفات الإبداع.
لدينا الآلاف من الأردنيين الذين درسوا وعملوا في الغرب وأبهروا الجميع بعلمهم وعملهم ومثابرتهم وإستحقوا ألقابا لامعة،ومع ذلك فضلوا العودة إلى الأردن ليخدموا بلدهم وشعبهم،كونهم مفعمين بالولاء والإنتماء للأردن،وهؤلاء هم الأولى في أن يكونوا وزراء ،للإستفادة من خبراتهم النظرية والعملية ونطرياتهم التي أبهرت الغرب،وهذا يعني اننا بحاجة لحكومات إبداع وإختصاص،كي نضمن إيجاد حلول لمشاكلنا المستعصية بسبب عدم وجود حكومات إختصاص،ينوء رأس الوزير فيهم بعلمه وثقافته،وليس بحجم “الجل”الذي يضعه على شعره.
الناحية المهمة التي يتوجب أخذها بعين الإعتبار عند تشكيل الحكومة هي أن لا يكون الوزير صاحب شركات لأن “الإمارة والتجارة” لا يجتمعان بخير،وعندها سنضمن أن الوزير يعمل لمصلحة البلد وليس لمصلحة شركاته المسجلة بإسمه وأسماء زوجته ونسله،بما يعود بالضرر على البلد والشعب،وألا يكون ولاؤه خارجيا ،بمعنى ألا يكون تحت مظلة أجنبية،لأنه في مثل هذه الحاله سيحقق رغبات وينفذ أجندة هذه الجهة أوتلك.
علينا تغيير نهج تشكيل الحكومات المؤقتة “المشمشية”،وإعتماد نهج الحكومات المعمرة،ولا أقول حكومات برلمانية لأن ذلك بعيد المنال بسبب الواقع السياسي،ولا مانع من أن يكون الحكومة عشر سنوات وأكثر،وأن تكون نحيفة قدر الإمكان، كما هو الحال بالنسبة للعديد من حكومات العالم،ويجب مغادرة خندق الجهوية والمحاصصة،حفاظا على المصلحة العامة،وألا نستمر في خطيئة التدوير من الجد إلى الحفيد،فمصلحة الوطن أهم من مصلحة الحرس القديم….رسالة وطن.