اسعد العزوني
ما أن نشر المقال السابق بعنوان “الكويت..عالم المعرفة”،حتى إنهالت عليّ الإتصالات من الأصدقاء ،يتساءلون عن عدم الكتابة عن مجلة العربي الشهيرة ،وكان ردي أن عالم المعرفة ومجلة العربي ركنان كبيران لا يمكن لعربي حر أن يتجاهلهما ،ووعدت بكتابة مقال خاص عن مجلة العربي التي لا تقل أهمية عن مجلة/كتاب عالم المعرفة.
أطلت علينا مجلة “العربي” الكويتية التنويرية لأول مرة في شهركانون أول/ ديسمبر عام 1958م ،أي قبل 61 عاما ،وما تزال في ألقها العربي القومي الملتزم ، الذي اخطته لنفسها كمدرسة قائدة للفكر المستنير والثقافة والأدب والفنون الملتزمة بقضايا الأمة .
كتب رئيس التحرير في العدد الأول : “باسم العروبة خالصة، بحتة محضة، نخط أول سطر يقع عليه البصر من هذه الجملة الوليدة … إن مجلة العربي لهذا الوطن العربي كله… وهي لكل ما يتمخض عن الفكرة العربية من معان، فهي ضد الجهل ومع المعرفة، وهي ضد المرض ومع الصحة ومن الصحة صحة العقول ، وهي ضد الفقر ومع الغنى ووسيلتها إلى ذلك الثقافة تنشرها والوعي تحييه.”،وكانت هذه الكلمات بمثابة قسم ملزم للجميع ،ورغم ما تعرضت له الأمة من عبث العابثين ،فإن مجلة العربي ما تزال في صدارة الفعل التنويري العربي ،والفضل كل الفضل يعود إلى الكويت.
مجلة العربي التنويرية هي مدرسة فكرية شاملة ،تعبر أولا وقبل كل شيء عن موقف الكويت التنويري ،مع أن الكويت لم تطرح نفسها يوما شعاراتيا على أنها دولة قومية ،لكن أفعالها على أرض الواقع العربية دللت على قوميتها وتوجهها وصدق مواقفها،الأمر الذي أثار”الشقيقة الكبرى ” السعودية عليها،لأنها سجلت سبقا تنويريا معرفيا ثقافيا تنمويا فكريا ثقافيا وتطورا فاق التوقعات ،وكانت المسافة التنويرية بين الكويت والسعودية تساوي المسافة بين الثرى والثريا.
لم تغب فلسطين عن مجلة العربي ،كما لم تغب عن الكويت يوما ،فقد كان الشاعر الموهوب هارون هاشم رشيد شاعر النكبة والعودة ،وكانت رئاسة التحرير لا تفوّت مناسبة تتعلق بالقضية الفلسطينية إلا وكتبت عنها ،كما لم تغب القضايا العربية أيضا عن مجلة العربي الكويتية،التي كانت تستضيف العديد من الكتاب والباحثين العرب من كافة الدول العربية دون تمييز،وتكون الكويت قد وحدّت العرب ثقافيا وفكريا على الأقل من خلال مجلة العربي.
وفي خطوة مقدرة من قبل القائمين على مجلة العربي ،فإن أرشيف المجلة متاح للتنزيل مجانا ،وهذه إشارة الكويت للعرب ،وقد تلقفها العرب برحابة صدر وبكل الحب والتقدير،ولا أنسى أننا في قرانا كنا ننتظر المجلة على أحر من الجمر ،عندما يحضرها أحد المثقفين من المدينة ويقرأها ،ونبدأ بإستعارتها منه ،وربما وصلتنا وهي فاقدة لغلافها.
حققت مجلة العربي الكويتية الكثير ،وأنارت الدرب المعتم وبددت العتمة ،التي حاول البعض المدسوس أن يكرسها عربيا لتبقى السيطرة الصهيونية على عقولنا هي المهيمنة،وكنا حين نقرأها نطوف بخيالاتنا في كافة أنحاء الوطن العربي ،لأن مجلة العربي كانت من الكويت العربية إلى جميع العرب .