علاء القرالة
منذ أكثر من عشر سنوات استطاع الأردن استيعاب أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري قدموا إلى أراضينا هروباً من الأحداث الأمنية الدائرة هناك، وتحمّلت المملكة نتيجة هذه الاستضافة أعباء كبيرة تسببت في زيادة المديونية وارتفاع بعجز الموازنات المتتالية نتيجة الضغط على البنية التحتية وارتفاع معدلات البطالة لدينا، وهذا كله يأتي ضمن الواجب والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه الأشقاء السوريين.
حاليا الأسباب التي دفعت الأشقاء للجوء إلى المملكة لم تعد موجودة تقريباً، فالأوضاع الأمنية تستقر بشكل تدريجي والأوضاع لديهم لم تعد نفسها التي كانت قبل سنوات، وهذا يعني أن استمرار اللجوء وبهذا العدد سيكلّف المملكة مزيدًا من الأعباء الاقتصادية التي لم يعد يطيقها ولا يتحملها وتحديداً أن خطة الاستجابة الدولية لأزمة اللجوء السورية لم تفِ بتعهداتها على الاطلاق فكل ما جاء منها لم يتعدَ 20% مما تحمله الأردن على مدار سنوات الاستضافة، ناهيك عن الخطر المحدق بنا والمتمثل بشحّ الموارد المائية والتي هي بالكاد تكفي المواط?ين إضافة إلى عدم قدرتنا على التوسع في البنية التحتية نتيجة الأعباء المالية المتراكمة على خزينة الدولة.
بالتأكيد لا نطالب بإعادتهم قسريّاً إلى بلادهم كما دول أخرى عانت اقتصاديًا نتيجة هذه الاستضافة وصولًا إلى الإفلاس في بعضها، بل أدعو الجهات المختصة إلى وضع خطة مشابهة لخطة الاستيعاب التي نجحنا بها في استقبالهم قبل سنوات لإعادتهم إلى بلادهم وعلى مراحل وبشكل لائق بكرامتهم وانسانيتهم ووفق جدول زمني، وهذا ما يجب أن نبدأ العمل به قبل أن نعطش ويعطشوا ونغرق ويغرقوا فمركبنا بالكاد يتحملنا الآن غير أن الأمواج والتحديات القادمة تتطلب ترشيقاً من على متن هذا المركب وتوزيع الحمولة على مركبين بدلًا من مركب واحد وخاصة أننا?نعلم جميعا أن المركب الآخر أصبح قادراً على الإبحار من جديد وهذا ما نتأمله للجارة الشقيقية سوريا.
الأردن وفي كل عام يتحمل ما يزيد على مليار دولار من خزينته للاستجابة لخطة الاستجابة لازمة اللجوء، فمثلًا هذا العام وحتى النصف الأول منه بلغ حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية للنصف الأول من العام 235 مليون دولار، من أصل 2.28 مليار دولار هي الاحتياجات المقدرة، وبنسبة وصلت إلى 10.3% بحسب «منصة خطة الاستجابة الأردنية»، وموّل المجتمع الدولي في العام الماضي ما قيمته 700 مليون دولار من أصل 2.4 مليار دولار من متطلبات الخطة وبنسبة تمويل بلغت 30.6%، وفي العام 2020 موّل المجتمع الأردني بحوالي 1.1 مليار دولار?من أصل 2.2 مليار دولار وبنسبة تمويل بلغت 49.4% من الحاجة الحقيقية أي أن الحكومة الأردنية تحملت وخلال الثلاث سنوات الماضية فقط ما قيمته 4 مليارات دولار على الأقل ضمن متطلبات الخطة.
اليوم الأردن أمام خيارين لا ثالث لهما فرضتهما الظروف والتحديات الاقتصادية والمعيشية عليه، أوّلهما أن يقوم المجتمع الدولي بالوفاء بتعهداته كاملة وبشكل غير منقوص كما في السنوات الماضية، بالإضافة إلى مساعدة المملكة في إنجاح مشاريعها التنموية من خلال توفير التمويل اللازم وتحديداً الناقل الوطني للمياه والبنية التحتية وبعض من المشاريع المشتركة في الأمن الغذائي، وباستثناء ذلك لن يكون أمامنا خيار سوى التفكير بخطة سريعة لإعادة اللاجئين إلى وطنهم وبلادهم وهذا ما لا نطيقه.