سهير جرادات
الله يسامحك يا أبوي .. كم كنت وأبناء جيلك وطنيين حتى النخاع ، تؤمنون بالوطن؛ وأن حمايته وحماية مقدراته وخدمته والدفاع عنه واجب وأمانة في عنق أبنائه .. وأن حب الوطن يكون بالإخلاص والوفاء .. لنكتشف عندما كبرنا نحن الأبناء والأحفاد أن الوطن ( أُكِلَ )من قبل أصحاب الحظوظ ، وأنه لا مكان فيه لأصحاب العقول والحقوق.
الله يسامحك يا أبوي .. لأنك ربيتنا على أن المواطن الصالح يجب أن يكون الترس المنيع الذي يحمي الوطن حبا وواجبا ، لكن للأسف استغلوا دفاعنا وحمايتنا للوطن كي يتفرغ الفاسدون والخائنون وناهبو مقدراته للاستفادة من خيراته.. لنكتشف أن بحمايتنا للوطن منحنا الأمان للسارقين والخونة ليتفرغوا لنهب مقدراته! ..
الله يسامحك يا أبوي .. اقنعتنا بأننا بلد القانون والنظام ،أساسه الديمقراطية والشفافية ، لنكتشف أن ديمقراطيتنا مجتزأة لا تشبه الديمقراطية ، تقوم على التعيين لا الاختيار الصحيح .. وشفافيتنا مفقودة .. والفساد ينعم بالحماية والطمأنينة .. والقانون يطبق على الوطنيين .. فيما المتنفذون فوق القانون !!!.
الله يسامحك يا أبوي .. غرست فينا أن هذا البلد لنا وحقنا ، وحمايته مسؤوليتنا؛ لكن لم تخبرنا بأن مسؤولية الفاسدين نهب خيراته .. واكتشفنا عندما كبرنا ، أن البلد للجميع ” الا احنا “، والحق للواسطة والمحسوبية وليس لنا!!
الله يسامحك يا أبوي .. لأنك علمتنا أن الوطن يفتدى بالروح .. والله طلعت روحنا ؛ ونحن نتمسك بالوطن ونحافظ عليه، فيما روح الوطن تقدم فداء للسارق والناهب .. وآمنا بقولك : إن العطاء للوطن يكون دون مقابل .. ولكن هناك مقابل لمن لا يقدم العطاء للوطن إلا بمقابل!!
الله يسامحك يا أبوي .. علمتنا أن الأرض لا تَغدِر ولا تَخون وهي تَستر وتصون .. وأصبح حلمك حلمنا بأن نرتدي بدلة الفوتيك .. لنكتشف أن ( الفوتيك ) عنوان خط الفقر .. وكبرنا يا أبوي واكتشفنا أن واحدا زائد واحد لا يساوي اثنين .. بل اكتشفنا بأن من يلعب بالوطن اثنان!! ..
الله يسامحك يا أبوي .. عندما غرست فينا أننا أصحاب الأرض ، لنكتشف بأننا لا نتعدى حراسا لها ..بعد أن ( بيعونا ) الأرض حتى نتمكن من الانفاق على تعليمنا وعلاجنا، بعد أن سلبت حقوقنا ، وأعيدت للبعض على شكل هبات ومكرمات وأعطيات ..
الله يسامحك يا أبوي .. كم حرصت على تربيتنا على أن الوطن هو السند .. وكنا خير سند لوطن انشغل بمساندة الفاسدين والمجرمين والوصوليين والمتكسبين والغرباء ، وتُركنا دون سند!! ..
الله يسامحك يا أبوي .. علمتنا أن بلدك لن يضيمك ، لكن للأسف بلدنا ضامنا وجار علينا نحن أبناءه المخلصين .. وكم حثيتنا على قول الحق حتى لو كان على قطع رقبتنا .. لنكتشف أن من يقول الحق منبوذ ومسلوب الحقوق!! ..
الله يسامحك يا أبوي .. بعد أن مضى العمر اكتشفنا أن حبنا للوطن كان حبا من طرف واحد.. وأن القائمين على الوطن يحبون من يخدمهم لا من يخدم مصالح الوطن .. وإذا لم تُمارس الفساد والواسطة لن تتمكن من الحصول على أبسط حقوقك في الحصول على وظيفة أو انجاز معاملة ..
الله يسامحك يا أبوي .. علمتنا أن أول دروس الوطنية ، هو أن جميع الدول العربية سعرها بسعر وطننا .. ومن باب الواجب شاركنا في الدفاع عن جميع الدول التي تعرضت للاعتداء .. لكن دعني أذيع لك سرا ، وأقول لك: والله لو تعرض بلدنا لخطر – لا سمح الله – سنكتشف أننا نحن كنا للجميع ، والجميع ليسوا لنا !!
الله يسامحك يا أبوي .. رغم قناعتي أنك لم تكن تكذب عليّ ، لأنك كنت تتحدث عن وطن لم يعد يشبه الوطن الذي تربينا فيه ونعيش به ، بعد أن تبدلت المعطيات .. لكن دعني أخبرك أن أصدق ما قلت لي هو: إن هذا البلد يضم ( قبر جدي وجدك ) ، وسيضم (قبري وقبرك ) .. لأن أقصى ما يقدم للوطني المخلص ( قبر ) يضم رفاته.
يا أبوي .. هذه رسالة عتب من كل أردني حر مخلص وشريف لم يتاجر بالوطن ، موجهة للآباء والأجداد الذين غرسوا فينا قيم الوفاء والولاء لوطن عشقوه حتى النخاع .. حتى أصبحت هذه القيم جزءا منا ولن نحيد عنها .. وستبقى كلماتكم مطبوعة في وجداننا، رغم قناعتنا انهم اخرجوها عن مسارها، وستظل نبراسا لنا ينير طريقنا رغم عدم وجود ضوء في نهاية النفق .. إلا أننا ورثنا عنكم حالة عشق لا تنتهي ، نعيشها مع الوطن، رغم تنكر القائمين عليه للمحبين والمخلصين له.
وأسمحوا لنا أن نقول لكم أيها السلف المخلص: نصائحكم ووصاياكم لا تعكس الواقع الذي نعيش ، لانها تتناسب مع زمانكم ، ولا تناسب زماننا ، وقيمكم لا تشبه قيمنا .. وأسمحوا لنا أن نقول لكم كلمة أخيرة ـــ بعد أن أصبحنا غرباء في وطنناــــ سامحكم الله!!!!!!!!!!!!!!!