رجا طلب
هذا ليس عنوانا لفيلم «أكشن» وليس عنوانا لعملية إرهابية، إنه عنوان لوصف حال أغلب عقول الناس التي باتت تؤمن بأن «السوشال ميديا» هي زادهم الثقافي اليومي ومصدر معرفتهم واطلاعهم على الأحداث، هؤلاء الناس أصبحوا بالفعل «مختطفين» من قبل «وسائل التواصل الاجتماعي»، وعقولهم باتت مخازن للمحتوى الرديء الذي يُنشر فيها وبخاصة على «الفيس بوك»، وتبرمجت هذه العقول بطريقة أصبحت فيها المعلومة المنشورة في أي واحدة من وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة حقيقة ثابتة، في الوقت الذي يحتاج فيه نفي هذه المعلومة أو توضيح أي جزء منها لجهد استثنائي ومكثف، وهنا تكمن المشكلة الكبرى حيث أصبحت هذه الوسائل قادرة على (هندسة العقل وبرمجة التفكير)، ونجحت في صناعة «عقل انطباعي» من أبرز صفاته أنه كسول، احادي التفكير، عديم القدرة على التفاعل، بمعنى أن الانطباع المتأتي من الخبر أو الصورة أو العنوان في تلك الوسائل يخلق عالما انطباعيا في الأغلب هو عالم بعيد عن الحقيقة، وهي مسألة يسرت وسهلت من انتشار الاشاعات وبالتالي اغتيال الشخصية وتشويهها أو اغتيال الحقيقة بالكذب أو تسويق معلومات مضللة وعززت من دور وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح فتاك من أسلحة الحرب النفسية على المستوى الأمني والسياسي أو على المستوى الاجتماعي البحت..
في الأسبوع الماضي استوقفتني ثلاث حالات لقضايا كانت منصاتها هي «السوشال ميديا» وأثارت لغطا كثيرا، وأثار بعضها جدلا أقل ما يقال عنه إنه جدل عقيم، وبعضها الآخر أشاع تشويشا مؤذيا على الصعيد الفكري أو الاجتماعي وسأبدأ من قضية شهيدنا البطل الذي عٌثر على رفاته في «تل الذخيرة» بالقرب من حي الشيخ جراح والذي ما زال حتى كتابة هذا المقال مجهول الهوية، فقد نشر أحدهم وهو نائب سابق اسم هذا الشهيد حتى قبل أن تعلن القوات المسلحة اسمه أو تجري فحوصات «DNA لرفاته» ونشر مع الاسم صورة لهذا الشهيد، والملفت أنه وبعد دقائق معدودة ضجت وسائل التواصل في أخذ الخبر والتعامل معه وذهب البعض إلى كتابة التهنئة للأهل المفترضين للشهيد المذكور، وبات الخبر وكأنه حقيقة.. أما الحالة الثانية فهي مسلسل «…» الذي يبث على شبكة «نتفليكس»، ويعالج العلاقات بين المراهقات في إحدى المدارس الخاصة، وما لفت انتباهي أن الفيلم دمغ ومبكرا بأنه مخل بالآداب وخادش للحياء العام ومن قبل أشخاص لم يشاهدوه أصلا، وشخصيا لم أراه ويصعب علي اعطاء رأي نقدي فيه.
الحالة الثالثة خبر تعيين زيد نجل دولة سمير الرفاعي ملحقا بسفارتنا في باريس، حيث انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم وكأنه حقيقة ثابتة مما اضطر الحكومة لإصدار نفى للخبر.
وهناك المئات يوميا من هذه الأخبار المثيرة «للغبار الفكري والاجتماعي» الملوث للعقول، وفي البحث عن الحل أرى وجوب تعزيز الثقافة والمعرفة لدى هذا الجيل وذلك ضمن خطة مدروسة على مستوى الوطن، فكثير من شباب هذا العصر لا يقرأ ومدارسنا وجامعاتنا لا تعطي اهمية اكثر للثقافة وبالتالي شبابنا «مختطفون» وعقولهم أسيرة الانطباع.