الدكتور محمد حسين المومني
ضبابية لفت مشهد المصالحة الفلسطينية بجولاته المختلفة، وسط أجواء من التشاؤم أن لا شيء سيتمخض عنها، لأن الانقسام وصل لدرجة من الحدة والعمق والمأسسة، ما أوصله نقطة اللاعودة.
الأنباء الأخيرة المقبلة من حوارات القاهرة بددت هذا الاعتقاد، وأظهرت تقاربا بين الفصائل الفلسطينية على قاعدة احتواء وإدارة الانقسام لا إنهائه، وذلك بإعطاء شكل من أشكال الإدارة المحلية الذاتية لحماس ومؤسساتها في غزة، بينما تحتفظ السلطة الفلسطينية بالسيادة على كامل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وتكون بذلك الممثل الدولي الوحيد للشعب الفلسطيني في التفاوض وعملية السلام.
هذه الصيغة ليست ما يطمح له الشعب الفلسطيني ولا الدول والشعوب الداعمة له، ولكنها المخرج البرغماتي المتاح ضمن حقائق الانقسام وما خلفه من شروخ مؤسسية بين حماس في غزة وفتح في الضفة.
ثمة قناعة متنامية أن الهدف من المصالحة يجب أن يعلو على المصالح الفصائلية، يتمثل بتجديد النخب الممثلة للفلسطينيين في الضفة وغزة من حماس وفتح، وكلاهما بحاجة لذلك، كما أن لها هدفا استراتيجيا مهما آخر يكمن في نزع حجة “غياب الشريك الفلسطيني الممثل” من يد نتنياهو الذي استخدم تلك الحجة ليتنصل من التفاوض والتسوية.
المصالحة تضع الفلسطينيين في موقع سياسي أقوى للمطالبة بالحقوق والاشتباك مع المجتمع الدولي على قاعدة الشرعية الدولية، والأهم أنها تعيد الاعتبار للمعنويات الوطنية الفلسطينية والعربية التي شكل الانقسام ضربة قاسمة لها.
جولات المصالحة حدثت والأعين متجهة نحو الانتخابات الفلسطينية التشريعية المقبلة، وبين السطور إجماع فصائلي على ضرورة عدم تكرار سيناريو 2006 عندما فازت حماس وترتب على ذلك أثمان دولية وفلسطينية عديدة. التفكير الآن بضرورة إجراء الانتخابات وإعادة إنتاج الديمقراطية الفلسطينية، وبالوقت ذاته الانتباه إلى أن لا تكون نتائجها محكومة بقاعدة المغالبة والاصطدام بالحائط. المطلوب تمثيل تشريعي للشعب بكامل مكوناته، ولكن أن يكون بطريقة يقبلها العالم لا تحرج الرئاسة الفلسطينية ولا حماس التي ستكون تحت ضغط دولي مهول لقبول ما هي غير مستعدة لقبوله.
ضمن هذه التفاهات يبدو أن الانتخابات ستجرى، مع ضمان أن لا يترتب عليها مفاجآت غير سارة، أو أن تصعب من مهمة السلطة الفلسطينية دوليا. هذه كلها أنباء مشجعة وإيجابية في أن الشعب الفلسطيني ومؤسساته ورئاسته وجدت مخرجا للانقسام البغيض المحبط، وأنه على وشك تجديد نخبه وديمقراطيته، ما سيقوي موقفه السياسي داخليا ودوليا. هذا الأمر تأخر ومطلوب لذاته حتى لو أنه لم يجلب نتائج سياسية دولية عاجلة، أو أنه سيزيد أو يسخن من إقدامية الإدارة الأميركية على الانخراط بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
السيطرة على الانقسام وإدارته بحكمة وبراغماتية تتسق مع رؤية ومشروع بناء الدولة تحت الاحتلال حتى تصبح حقيقة فارضة لنفسها رغم أنف نتنياهو ومن هم مثله.
الجميع معني بإنجاح هذا التوجه من فصائل فلسطينية ودول عربية وغربية صديقة، فهو الطريق الأمثل لتقوية قدرات الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه الإنسانية والوطنية.