الدكتور محمد حسين المومني
قدمت المصفوفة التي تم الإعلان عنها درجة من الوضوح أراحت الناس والمتابعين القلقين. المصفوفة شكلت مقياسا أو مؤشرا للعلاقة بين عدد الإصابات اليومية من جهة ودرجات الحظر ومنع الفتح للقطاعات والمنشآت من جهة أخرى. هذا الوضوح أعطى الناس درجة أكبر من تنبؤ أو توقع القادم الذي كان سابقا غير معلوم أو مفهوم بالنسبة لهم ما جعل الإفصاح عن المصفوفة خطوة اتصالية مهمة. صاحبَ إعلان المصفوفة أسئلةٌ بديهية تداولها الأردنيون منها على سبيل المثال لا الحصر: لماذا أعلنت المصفوفة الآن وليس سابقا عندما كان عدد حالات الإصابة يسمح برفع الحظر؟ هل تأخر إعلانها كبدنا شهرا أو زيادة من المعاناة الاقتصادية غير الضرورية؟ هل هذه المصفوفة اختراع أردني أم أنها بالاستناد لتجارب ومقاييس عالمية فضلى، أم أنها ضمن ما توصي به منظمة الصحة العالمية؟ وإن كانت اختراعا أردنيا وهذا سيعدّ شيئا رائعا فهل بالغنا وتحفظنا بمؤشر أعداد الإصابات وربطها برفع الحظر أم أنها منطقية وغير مبالغ بها؟
هذه أسئلة مشروعة تداولها الناس لا تنقص من أهمية أو إيجابية إعلان المصفوفة، ولا يجب أن يأخذ بعض المسؤولين هذه الأسئلة المتداولة بسلبية أو أنها بغرض النيل منهم، ونطالبهم بمزيد من سعة الصدر التي هي أهم مواصفات رجال ونساء العمل العام، وعليهم أن يدركوا أن من لا يقبل النقد في العمل العام لا يعرف الأردن ولا يعي تاريخه، فالأردن عبر تاريخه كان دائما واسع الصدر يعطي مساحة للنقد والرأي الآخر حتى أصبحت هذه ليس فقط سمة من سمات تاريخه العظيم بل عامل أساسي من عوامل أمنه الوطني. من لا يدرك ذلك ولا يقبله ليس من الأردن في شيء، وعليه أن يعتزل العمل العام ويظل قاعدا بالدار عند قهوته ودلاله. لكم جميعا يا ضيّقي الصدر، في رئيسكم الرزاز ووزير إعلام الحكومة العضايلة أسوة حسنة، فهم يعلمون ويحترمون أن الاختلاف ظاهرة صحية وديمقراطية ولا يعملون كما بعض المسؤولين تحت شعار من ليس معنا فهو ضدنا.
بكل الأحوال وبصرف النظر عن الأسئلة التي وجّهت للمصفوفة، يبقى الحال بعد وجودها أفضل من عدم وجودها، والأهم، أن العبء الآن يقع على عاتق الأفراد لإنجاح تجربة الانفتاح الذي طالبت الغالبية به. الدول التي نجحت في تعاملها مع الانفتاح مثل ألمانيا والنمسا والدنمارك واليابان، هي تلك الدول التي التزم مواطنوها وبشكل صارم بقواعد التباعد الاجتماعي والعزل الصحي والتعقيم الشخصي. هذا واجبنا جميعا، والمصفوفة واضحة أنه في حال ارتفاع عدد الحالات يعود الحظر بما يتلاءم مع أعداد الحالات، فإن كنا لا نريد الحظر علينا الالتزام بالتباعد الاجتماعي والتعقيم والتقيد به بدافع ووازع شخصي لحماية أنفسنا وباقي المجتمع. بالتزامن مع المسؤولية الشخصية، لا بد من زيادة عدد الفحوصات العشوائية والتأكد من دقتها حتى نكون أمام صورة واضحة لما نحن عليه وما نحن مقبلون عليه.