د.حسام العتوم
بتاريخ 10 كانون اول الجاري تابعت باهتمام كبير خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني “حفظه الله” امام مجلس الامة اعيانا, ونوابا، وحكومة، بمناسبة انعقاد الدورة غير العادية لمجلس الامة التاسع عشر. وتابعت الوصول الجميل والمهيب لجلالته لباحة المجلس برفقة ولي العهد المحبوب الامير الحسين. وعزف السلام الملكي وصدوحه على مستوى الوطن , الاردن الغالي . وبداية ارغب أن اسجل هنا , و اقول بأننا في الاردن نحب الملك , و هو رمزنا الوطني , وموقع إعتزازنا و فخارنا.
ومن وسط قوة حضور جلالته , وحكمته نستشعر قوة الوطن . كيف لا و جلالته المعزز للبناء , وصمام أمان البلد , وحامي الحمى , والحافظ للدستور , ولكل السلطات الدستورية الرئيسة . وتاريخنا الاردني شاهد حي على حبنا لكل الملوك بناة الاردن في تاريخه المعاصر , ( الحسين الباني , و طلال ملك الدستور , و عبد الله الاول المؤسس الشهيد طيب الله ثراهم جمعيا ) . وتاريخ البناء الملكي العريق في الاردن مرتبط بطبيعة الحال بثورة العرب الكبرى المجيدة صانعة إستقلال الدولة الاردنية عام 1946. و مؤشر هام على الاستقرار الدائم . وشعارها لازال شامخا , و منيرا في عاصمتنا الجميلة عمان , وسط جبلها الثالث على شكل مجسم ابيض وشح ب- ” الوحدة , والحرية , و الحياة الفضلى ” .
ولازالت مدينة معان التاريخ شاهدة عيان على قدوم ثورة العرب الهاشمية اليها , وعلى استقبال عشائر الاردن لها( الحويطات , وبني عطية ,و بني صخر, و الروله , و بلي – ” دراسة د. انور الجازي ( موقف القبائل البدوية من العمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى في جنوب الاردن ) , و ايضا على وصول الامير عبد الله الاول اليها , وتأسيس اول نواة للصحافة فيها , و اسناد صحافة الاستقصاء وسطها عبر توقيعه السامي المشهور (ع) . وشهد عام 1931 دفن زعيم ثورة العرب الملك الشريف الحسين بن علي في المسجد الاقصى , في القدس شقيقة عمان , التي توفاه الله فيها , وهي المجاورة لها . كتب فريدون صاحب جم في كتابه ” مهنتي كملك – أحاديث ملكية ” ص 208 قول لمليكنا الراحل العظيم الحسين طيب الله ثراه – ” إن جدي الأعلى مدفون في القدس كما تعلم . أما جدي الملك عبدالله , فقد لقي مصرعه في القدس بين ذراعي . إن هذه المدينة هي مدينتنا لأكثر من سبب . ومنذ ثمانية أعوام و المسلمون في العالم أجمع ملوك , و جنود , و أغنياء , و فقراء , ينتظرون لكي يقيموا الصلاة من جديد في المسجد الأقصى الذي يمثل الشيء الكثير في أعيننا ” .
من هنا , أعود بكم أعزائي القراء , سيداتي سادتي ,الى عمق معاني حديث جلالة الملك عبد الله الثاني الاخير امام مجلس الامة , وتحديدا الى قول جلالته : ( إن تحقيق السلام العادل و الشامل على أساس حل الدولتين خيار استراتيجي بما يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة و القابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران , وعاصمتها القدس الشرقية ) .
وعنى جلالة الملك كما فهمت بالخيار الاستراتيجي بأنه الاردني ,و العربي , الاسلامي و المسيحي الثابت . وهي رسالة ملكلية صريحة اطلقها ملك عربي شجاع يطل بلده الاردن منارة العرب على فلسطين و إسرائيل معا . و معادلة السلام التي يجددها هنا جلالته يوجه هدفها للداخل الاردني و العربي , ولعموم العالمين و الحضارتين الاسلامية و المسيحية . و لصناع صفقة القرن التي رفضها العرب في مكان انطلاقتها من قلب تل ابيب وواشنطن . و ايضا وجهت لحراك السلام الاسرائيلي الجديد صوب بلاد العرب ووسط عمقهم . و هو السلام الذي تريد منه إسرائيل أن يكون من طرف العرب فقط رغم انها هي التي تدعوهم اليه , ولكن من دون الحاجة الى أن تعود لحدود الرابع من حزيران , ولأن تعزف عن احتلالاتها لاراضي العرب . ومن دون حاجتها لتجميد استيطانها غير الشرعي فوق الارض العربية أيضا .
وفي ذات السياق لفت جلالة الملك عبد الله الثاني الانتباه إلى أن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه العادلة و المشروعة السبب الرئيس للصراع وغياب الاستقرار . ومن هنا نستطيع أن نفهم بأن تمادي إسرائيل و برمجتها و منهجيتها حتى يبقى الشعب الفلسطيني من دون حقوق تاريخية , يظهر الى السطح من جديد ,والى الامام مشروعا لحزب الليكود سمي ب( الوطن البديل ), و هو مرفوض فلسطينيا و اردنيا و عربيا . و لا يمكن أن يشكل حلا عادلا لقضية تاريخية عادلة مثل الفلسطينية , و هي الوحيدة التي بقيت على خارطة العالم من دون حل ناجع بسبب التفسيرين الايدولوجي التوراتي , و التاريخي الخاطئين لها .
وقول جلالة الملك عبد الله الثاني في خطابه هذا ” ونحن لم ولن نتوانى يوما عن الدفاع عن القدس و مقدساتها و هويتها و تاريخها . فالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية و المسيحية واجب والتزام وعقيدة راسخة و مسؤولية نعتز بحملها اكثر من مئة عام . و بأن القدس عنوان السلام , ولا نقبل اي مساس بوضعها التاريخي و القانوني . و المسجد الاقصى الكامل و الحرم الشريف لا يقبلوا الشراكة ولا التقسيم . هنا نلتقط اشارة النضال الهاشمي الاردني الطويل , و بفروسية الجيش العربي دفاعا عن القدس في معارك ( باب الواد , و اللطرون , و القدس ) , في حرب عام 1948 , و بعدها في حرب عام 1967 . و الدفاع عن الاردن و فلسطين عام 1968 بنصر الكرامة الشامخ الاكيد بهمة قواتنا المسلحة الاردنية الباسلة –الجيش العربي و اهل فلسطين . وإعادة الاردن لملحقي الباقورة و الغمر عام 2019 نصر اردني اخر رفيع المستوى في زمن السلام مع إسرائيل بعد مرور ربع قرن على معاهدة السلام عام 1994 . و تصدي الاردن بقوة لمشروع ضم الغور الفلسطيني و شمال البحر الميت عام 2020 من قبل إسرائيل,و الوقوف مجددا الى جانب أهلنا في فلسطين , و إسناد حقهم التاريخي في إقامة دولتهم المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية . و رسالة هاشمية متجددة تدعو للتمسك العربي بالمسجد الاقصى , و الحرم الشريف من دون شراكة او قسمة مع احد . وترسيخ لما قاله جلالة الملك عام 2017 بأنه لو دفعو للاردن 100 مليار دولار على حساب الاردن سنرفض ذلك . و تجسيدا لاعتبار القدس ومستقبل فلسطين بالنسبة للاردن عبر تأكيدات جلالته الثلاثة عام 2019 : ( كلا على القدس , و كلا على الوطن البديل , و كلا على التوطين ) . و التزام هاشمي أردني بالوصاية الهاشمية الاردنية منذ إنطلاقتها عام 1924 على يد ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه , لحين قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية و فقا لقرارات الشرعية الدولية ( 242 .338) .
لقد عظم جلالة الملك عبد الله الثاني مكانة الاردن , و شعبه , و إنجازاتهما عبر مائة عام في خطابه هذا,و فتح الباب لدخول الاردن لمائة عام مقبلة من خلال شحذ همم الاردنيين لتحمل مسؤولياتهم على شكل فريق واحد . ولفت الانتباه مجددا لأهمية الاردن ” قصة النجاح ” بموقع جيوسياسي فريد من نوعه . و ركز على اهمية تجاوز صعاب الاقتصاد الاردني الذي تأثر بجائحة كورونا كما اقتصادات العالم عبر خطط و برامج هادفة قابلة للتطبيق . وهنا يمكننا أن نستوعب الرسالة الملكية الداعية للاعتماد على الذات ( زراعة , و صناعة , ومخزون غذائي , و تجارة , وصادرات , وواردات , ومعدات طبية ). و دعوة ملكية سامية لتفعيل الرقابة و التشريع ,و التكامل بين داخل جناحي مجلس الامة اعيانا , و نوابا , و حكومة, بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة .و العمل بشفافية و ثقة . وتجديد الثقة بالقضاء الاردني النزيه .
لقد أشاد جلالة الملك بقواتنا المسلحة الاردنية الباسلة – الجيش العربي , و بإجهزتنا الامنية الوطنية العتيدة ( العيون الحمر) . وهما موضع ثقة دائمة لسيد البلاد و للشعب الاردني العظيم معا . و ركز جلالته على اهمية مواصلة محاربة الفساد ,و التصدي للتطاول على المال ,و إعتباره جريمة بحق الوطن و أهله , و ضرورة محاسبة من يعتدي عليه . وبناء عليه نكون أمام رسالة ملكية شاملة صارمة , يبنى عليها ليعلو بنيان الوطن ,و ليبقى منارة منيرة و سط الاوطان , و قلعة حصينة شامخة ابوابها مفتوحة للتعاون , و الاستثمار . و السلام .