اسيد الحوتري
(مذبحة الختان) رواية استُلهِمت أحداثها وشخصياتها من العهد القديم، وقصتْ حكايةَ الاحتلال الأول للأراضي الفلسطينية الكنعانية من قبل بني إسرائيل، وقيام مملكتهم.
الاحتلال ما هو إلا ثقافة يتبناها قوم بعينهم فيمجدونها ويعلمونها لأجيالهم من بعدهم. وثقافة الاحتلال أو الاستعمار عملة ذات وجهين: وجه معنوي وآخر مادي. فأما الوجه المعنوي فيقوم على اختلاق الذرائع التي سيبرر الاحتلال من بها جرائمه في حق الشعوب التي سيحتلها، وغالبا ما يكون تبرير الاحتلال مستندا إلى فكرة تفوق المحتل على الآخرين أو الأغيار أو (الغوويم). هنا يدعي المحتل بأن أسمى وأرقى وأكثر تحضرا من غيره، وأنه هو من اختاره الرب للوصاية للمك والقيادة والسيادة، وأنه لا يقوم بعملية الاحتلال هذه إلا ليخرج الشعوب المحتلة من الظلمات إلى النور. أما الجانب المادي في ثقافة الاحتلال فتعتمد على العدد والعدة: عظم الجيش وقوة التسليح.
من هنا كانت المقاومة أيضا عملة ذات وجهين، الوجه الأول هو الوجه المعنوي والذي يفكك ويقوض المقاوم من خلاله مقالات وادعاءات المحتل بتفوقه وسموه على غيره من الشعوب، ويدعو من خلاله للمقاومة المادية والمعنوية بكل الوسائل المتاحة، كل من موقعه وكل بحسب أمكانياته. أما الوجه الآخر للمقاومة فهو الوجه المادي والذي يتمثل بحمل السلاح.
(مذبحة الختان) رواية تنضوي تحت “الأدب المقاوم” أو “أدب المقاومة”، فلقد استحضرت الرواية احتلالا قديما واسقطته على احتلال جديد. تقول نجاح العطار وحنا مينا في كتابهما ” أدب الحرب” الصادر عام (1976) :” فالأدب الموجه ضد الاستعمار والصهيونية في كل مكان من الوطن العربي هو أدب مقاومة ضدهما”، ويقول الدكتور محمد حسين إقبال الندوي: “أن المقاومة هي عملية رفض الظلم والاحتلال – ورفض كل ما يتفرع عنه من مشاريع خبيثة ضد الأمم والشعوب بجميع الوسائل المتاحة بما فيها الوسائل العسكرية، والسياسية، والإعلامية، وغيرها وبأي درجة ممكنة”.
(مذبحة الختان) رواية ترفض الظلم والاحتلال والصهيونية معا، وهي موجهة بكل تأكيد ضدها. لقد قام الروائي أحمد أبو صبيح عبر هذه الرواية بما يقوم به الأديب المقاوم من تقويض لمقولات المحتل، فلقد فكك الكاتب وقوض ادعاءات تفوق وسمو ثقافة الشيخ وذريته، وأجداده، بني إسرائيل، وأحقيتهم في الأرض والحكم والسيادة على فلسطين. كما قام بعكس صورة المحتل التجردة من الأخلاق والمجافية للإنسانية، ليؤكد الكاتب من كل ما سبق بأن هذا الاحتلال ما هو احتلال القوي عسكريا للضعيف، وهو احتلال دون أي مبرر أخلاقي، ودون أي مسوغ شرعي أو قانوني. ولقد أبدع الروائي عندما قام بعملية تقويض وتفكيك المقولات التي تعلي من شأن بني إسرائيل بالاستناد والاعتماد والرجوع إلى السرديات المعتمدة عند العدو، وخصوصا ما جاء به كتابهم المقدس: التوراة؛ وكأنّ أبو صبيح يقول لهذا المحتل: من دينك أدينكَ، ومن فمك أعري ثقافتك.
ومن المشاهد الروائية المبنية على أحداث توراتية والتي أدانت بشكل جلي المحتل الإسرائيلي لفلسطين الكنعانية وعرّت ثقافته ما يلي:
حادثة زنى (أحازيا) بـ (ثامار) في موسم جز الصوف والتي فيها إحالة إلى الحادثة المذكورة في العهد القديم بين (يهوذا) ملك إسرائيل وأرملة إبنه (ثامار) والتي ظن (يهوذا) أنها عاهرة وأراد أن يحظى بها، “نظر أحازيا للمرأة نظرة فهمها مرافقوه على أنه يود أن يحظى بهذه العاهرة” (مذبحة الختان: 81). ولأنه وعدها بجدي من القطيع لم يكن معه، فلقد أعطاها ضمانا لدفع أجرها عصاه وعصبته وخاتمه، وهذه الحادثة مذكورة في العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح (38). ولقد حبلت (ثامار) من (يهوذا) وأنجبت (فارص) و(زارح)! فأي ملك هذا الذي لا يتورع عن مخالطة العاهرات، ومجامعتهن على في الحقول؟!
يبدو أن العلاقات خارج نطاق الزواج بأشكالها كان جزءا من ثقافة بني إسرائيل، فالرواية تذكر أن أحد أتباع (أحازيا قال له: لم يبق سوى القليل وتستطيع أن تجمع ما تشاء من النساء في الخيمة التي أعدت خصيصا لك في موقع الاحتفال” (نفس المرجع: 82)
وتمر الأيام وتأتي (ثامار) وتعترف أمام (يهوذا) وبحضور من هم في حضرته أنها حملت منه، ولكن أحدا لم يطبق أي حد على (يهوذا) أو على (ثامار)، فثقافة القوم تتسامح مع هذه العلاقات الجنسية المحرمة، وهذا طعن كبير ومثلبة وحارقة وخارقة من خوارق الثقافات.
تنتقل الرواية إلى مشهد آخر يدين أفعال أجداد بني إسرائيل ومن كتابهم القدس أيضا، فعندما خرج لوط وأهله من القرية التي فعل أهلها الفاحشة ونزل بها عذاب الرب، توجه لوط وابنتاه إلى كهف حيث دار حوار بين البنتين أبدين فيه خوفهما من انقطاع نسل أبيهما، فأشربتاه الخمر وأسكرتاه ونامتا معه، فأنجبت منه إحداهما العمونيين، وأنجب الأخرى المؤابيين! ولا يتوقف زنى المحارم عند هذه الحادثة، فتذكر الرواية حادثة أخرى يطلب فيها الملك (أحازيا) من ابنه (عيرا) أن يعاشر دون زواج (ثامار) زوجة أخيه المتوفى ليرزقها بولد يحافظ على نسل أخيه، وهذه ممارسة مسموحة في شريعة بني إسرائيل للحفاظ على النسل. فيوافق (عيرا) ويعاشر أرملة أخيه، وعندما يوشك أن يقوم بواجبه كما كان مقررا له، ينسحب في اللحظة الأخيرة،”وقذف نطفته على البساط الذي يغطي أرض الغرفة في دفقات مرتعشة وسفحها على الأرض، فصرخت ثامار:لا..لا”(نفس المرجع:78-79)، وهكذا حرم (عيرا) زوجة أخيه من النطفة التي كانت ستحافظ على نسل زوجها المتوفى!
وبعد أن خذل (عيرا) والده مع أرملة أخيه، يعد (أحازيا) (ثامار) قائلا:” إن بيت (أحازيا) سيقوم بواجبه مرة أخرى، وسأرسل ابني الأصغر إلى غرفتك حالما يكبر…” (نفس المرجع:80)، وتوضح الرواية أن (أحازيا) كان يكذب على (ثمار).
مشهد آخر تعرضه الرواية يعكس خبث المحتل ومكره. حيث تدبر مؤامرة للتخلص من الملكة أم (حصرون)، فيتم إدخال رجل إلى مخدعها، ثم تُتُّهم بالزنى، ويحكم عليها بأن تصبح عاهرة عامة، وهذا ما يحدث بالفعل. وتمر الأيام ويرى (حصرون) أمه وقد استنزفتها المؤامرة التي حيكت لها، ولكنه لا يلتفت إليها، ولا يمد لها يد العون.
أكدت الرواية أيضا أن المرأة التي” تجلب العار لأهلها لا بد أن تلقى كعاهرة عامة، وعلى أفضل حال ستكون مومس معبد” (نفس المرجع: 25)، وهنا نرى أن ثقافة المحتل تَحرم المرأة تماما من التوبة والعودة إلى الصراط المستقيم. حتى أن الحكم على المرأة بأن تصبح عاهرة عامة أو مومس معبد فيه تأكيد واضح على أن الزنى مسموح به في ثقافة هذا المحتل، زنى العامة مع العاهرة العامة، وزنى رجال الدين في المعبد مع مومس المعبد!
لم يكن هذا كل شيء عن زنى المحارم، بل هنالك ثلاث حوادث أخرى لم تذكرها الرواية ذكرتها التوارة. كل هذه المشاهد تأكد بأن المحتل الإسرائيلي كان مجردا من الأخلاق المتعارف عليها عالميا، ومهووسا بالجنس، وهذا يجعل منه ومن ثقافته في مستوى متدني لا يمنحه أبدا حق التفوق والسيادة والحكم.
هذا وتواصل الرواية تصوير المحتل بشكل ينزع عنه إنسانيته، فهذا (آرام) الملك بني إسرائيل ينغمس في الملذات والشهوات هو وإخوته، ويبطش بشعبه حتى أن القوم أخذوا بالفرار من مملكته واتجهوا نحو مخيم (حصرون) الذي تخلى عنه كبار القوم من بني إسرائيل. فكيف يكون لـ (آرام) حق السيادة على الكنعانيين الفلسطينيين وقد نكلّ بأبناء جلدته؟!
حتى (حصرون) الذي فر إليه المظلومون من بني إسرائيل ونادوا به ملكا عليهم، ينذر أنه إن نصره الرب على أعدائه سيقتل أول مخلوق سيكون في استقباله عند عودته إلى البيت. النذر بحد ذاته لا ينم عن حصافة أو عن كرم أو عن أي معنى، والعبث هو السمة الغالبة عليه. فلو كان كلب (حصرون) أول المستقبلين له، وهو ما كان يتوقعه (حصرون)، فما ستكون الفائدة المرجوة من قتل هذا الكلب المسكين؟ كيف سيكون هذا تقربا إلى الله؟! ولو كانت عنزة أو دجاجة أول المستقبلين له، فهل حجم الانتصار على الأعداء متناسب مع التضحية برأس واحدة من الغنم، أو بطائر من الطيور؟! إن النذر نفسه يدل إما على بخل شديد أو خبل في التفكير، وهذا يجعل من (حصرون) غير كفئ للقيادة والسيادة. ومع ذلك ينتصر حصرون على أعدائه على الرغم من كثرتهم، ثم يعود منتصرا إلى بيته ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فيكون في استقباله ابنته (سيلا). وهنا كانت المفاجأة والصدمة، فيقتل (حصرون) ابنته وفاءً بالنذر الذي نذره! ولا يتدخل أي من رجال الدين لمنع هذه الجريمة. كان حصرون يعلم بأن الرب لا يقبل هذا، وقال أن الله:”لا يقبل بدم الإنسان قربانا إليه، وحتى الآلهة الوثنية لا تقبل ذلك” (نفس المرجع: 175)، ولكون الثقافة الإسرائيلة ثقافة دموية فلقد تساهلت جدا في سفك الدماء، حتى أنها أباحت قتل أقرب الناس.
إن كان هذا هو الشكل الذي تعامل به ملوك ورؤساء وقادة بني إسرائيل مع أبناء جلدتهم، فكيف كان تعاطيهم مع الأعداء؟! مذبحة الختان صورت كيف أن أبناء الشيخ، بني إسرائيل، خدعوا أهل القرية التي استضافتهم باشتراطهم أن يتم ختان أهل القرية لاتمام زواج (شكيم) ابن سيد القرية (رحمون) من (راعوت) ابنة الشيخ. وعندما تم الختان وكان رجال القرية يعانون من الوجع وألم الختان، انقض عليهم قوم الشيخ وقتلوهم عن بكرة أبيهم، وسبوا نساءهم وأطفالهم، واستباحوا القرية واحتلوها.
هذا المشهد تكرر مرة أخرى، عندما خانت (شمشونَ) عشيقتُه والتي كانت تنتمي إلى “الغوغاء”، فجن جنون شمشون وأصبح يهاجم ويقتل إي شخص ينتمي إلى قوم عشيقته. والأصل أن لا تز وازرة وزر أخرى، ولكن ثقافة الشيخ وأبنائه ثقافة دموية لا تتورع عن البطش بالأبرياء.
لم يكتف أبو صبيح بتعرية ثقافة المحتل وتقويض إدعائه بأنه “شعب الله المختار”، بل قام بتقديم اسقاطات كثيرة من الماضى على الحاضر عرضها عبر مشاهد الرواية، ولخص فيها مسيرة واستراتيجيات احتلال قديم وعلاقته باحتلال جديد، ومن هذه الاسقاطات ما يلي:
سبق احتلال قرية (رحمون) الإغراء بالمال الذي قام به الشيخ وأبناؤه لسيد القرية، وهذا يذكر بعرض شراء أرض فلسطين الذي عرضه (تيودور هريتزل) على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ولكن الأخير رفض الصفقة، مع ذلك وبعد اسقاط عبد الحميد لعب المال دورا كبيرا في وصول اليهود إلى فلسطين، فاستقروا فيها، ثم كان للمال القول الفصل بعد أن مول اليهود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، وبفضل هذا التمويل استطاعوا أن يحصلوا منهم على وعد بلفور الذي أقام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. كما أوضحت الرواية أن الشيخ وأبناؤه استقروا على أطراف القرية، وهذا ما كانت تقوم به أفواج اليهود المهاجرة إلى فلسطين حيث كانوا يقيمون بعيدا عن قرى الفلسطينيين فيما يشبه مستوطنات اليوم أو في (كيبوتسات). وكما أوضح الشيخ لسيد القرية (رحمون) بأنهم جاؤا بهدف العيش المشترك ولا يريدون إلا الحياة بسلام وأمان، كان هذا ما أشاعه أيضا المهاجرون اليهود الواصلون إلى فلسطين من أرجاء العام.
كما ذكرت الرواية أن الشيخ وقبيلته كانوا ماهرين في صناعة الأسلحة، وهنا إشارة إلى دور السلاح في احتلال فلسطين حديثا. قد لا يكون الصهاينة هم من صنعوا سلاحهم ولكنهم دون شك تلقوا أفضله من الغرب، في حين تلقى العرب صفقات أسلحة فاسدة في عام (1948) على وجه التحديد.
هذا وقد أشارت الرواية إلى النفاق الذي اتبعته قبيلة الشيخ مع أهل القرية المضيفة، فعلى الرغم من أنهم مؤمنون بإله مختلف عن آلهة القرية إلا أنهم كانوا يقدمون القرابين لهذه الآلهة! وفي هذا إظهار لشعارات كالتعايش والسلام وتقبل الآخر، وهذا ما أبداه وأشاعه الصهاينة قبل قيام كيانهم.
كما أن الرواية صورت كذب قوم الشيخ ومكرهم وخداعهم وغدرهم بمن فتح لهم الديار واستقبلهم بعد أن كانوا يهيمون في الصحاري والفيافي والقفار، فها هو (شكيم) ابن سيد القرية يقع في غرام (راعوت) ابنة الشيخ، وتبادله هي نفس المشاعر، وذهبت طواعية وبكامل إرادتها معه إلى بيته، إلا أن أهل الشيخ ادعوا أن (شكيم) اعتدى على ابنتهم ودنس شرفها، وهذا لم يحدث قط. وعند محاولة حل الخلاف وتزويج (شكيم) لابنة الشيخ تم اشتراط ختان (شكيم)، فتمت الموافقة عليه ولكن عند ذلك، عدل الشرط لختان كل أهل القرية! وتم ختان كل أهل القرية، ليتضح فيما بعد أن خطة الختان كانت لإضعاف كل رجال القرية للإنقضاض عليهم والاستيلاء على قريتهم واحتلالها وسبي الأطفال والنساء. وما قام به أبناء الشيخ مجزرة مكتملة الأركان تحاكيها المجازر التي ارتكبها الصهاينة في القرى الفلسطينية، كمجزرة دير ياسين، والطنطورة، قيسارية.
إن الاحتلال يسعى دائما خلف الموارد الطبيعية والأيدي العاملة المجانية أو الرخيصة، وهذا بالضبط ما قام به أبناء الشيخ عندما سبوا نساء وأطفال رجال القرية المغدورين. فالنساء والأطفال سيعملون عند أبناء الشيخ مجانا مقابل الطعام والمأوى لا غير.
وبعد هذا السبي استولى أبناء الشيخ على بيوت وأراضي أهل القرية وهذا ما حدث تماما في حربي النكبة والنكسة، حيث استولى الصهاينة على ممتلكات الفلسطينيين من بيوت وأراضي.
ولكي يأمن أهل الشيخ انتقام أهل القرى المجاورة منهم لما فعلوه بالقرية التي استضافتهم، قام أبناء الشيخ بالتواصل مع القرى المجاورة، وتقديم الهدايا للكبير والصغير، ووعدوا بأن يدفعوا لهم مبلغا سنويا من المال، وهذا يشبه إلى حد ما معاهدات السلام التي ابرمها الصهاينة مع بعض الدول العربية المجاورة، ومؤتمرات السلام التي عقدت في هذا الصدد.
وأخيرا تنصّل أبناء الشيخ من المعاهدات والاتفاقات التي أبرموها مع القرى المجاورة، وتوقفوا عن دفع المال مقابل السلام، لتصبح المعادلة الجديدة: السلام مقابل السلام. وهذا ما يقوم به الصهاينة اليوم، فهم يتنصلون وباستمرار من اتفاقاتهم ويأكدون أنها اتفاقات غير مقدسة.
(مذبحة الختان) كان من الممكن أن تكون كتابا منهجيا مختصا في شرح استراتيجيات الاحتلال الأول لفلسطين من قبل بني إسرائيل ليدرس لكل من هو مهتم بالقضية والشأن الفلسطيني لو التزم الكاتب بالرواية التوراتية للأحداث والأسماء، ولو وثق ما تم ذكره في روايته مع ذكر المراجع المعتمدة عند العدو الصهيوني. على كل حال الرواية في شكلها الحالي هي رواية تثير الفضول والاهتمام وتجعل القارئ يعود ليقلب كتب التاريخ القديم والحديث ليعقد المقارنات وليصل في نهاية البحث أن التاريخ يعيد نفسه، فمن يملك التاريخ سيملك الحاضر والمستقبل دون شك.
أما الرسالة الرئيسية التي أراد الروائي أحمد أبو صبيح إيصالها عبر (مذبحة الختان) فهي قريبة من فحوى الآية الكريم التي نصها (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79] أكد الروائي أن كثير من قادة بني إسرائيل استغلوا الدين استغلالا شنيعا، وابتدعوا فيه، وأدخلوا فيه ما ليس منه بهدف تحقيق مكاسب متعددة. وفي هذا تقويض لمقولات العدو التي تتستر بالشرع والدين لتبرر جرائمها بحق الفلسطينيين. “تذكر (حصرون) قصصا كثيرة نسبت أعمالها الدموية إلى طلب الرب، فـ(أحازيا) أوهم الآخرين أن الرب سيره لاحتلال القرى الأخرى، وإعلان مملكة (يهوذا) جاء تنفيذا لأوامر الرب، و(يهوذا) نفسه قام بذلك عندما قام بمذبحة الختان، فكل عمل سيء نقوم به نغلفه بشرعية، وأنا قتلت ابنتي وكأن الرب أمرني بذلك” (نفس المرجع: 174) وعلى هذا الكذب والخداع والتزوير والتحريف قام احتلال الأمس، وعليه يقوم احتلال اليوم الذي روج لمجموعة من الأكاذيب والتي منها أن الله وعد بني إسرائيل بأرض فلسطين، وأن أرض فلسطين أرض من غير شعب، وإلى ما هنالك من أكاذيب استمرءها المحتل حتى غدا الكذب والخداع جزءً أصيلا من ثقافته.
لقد استطاع الروائي البارع أحمد أبو صبيح بأن يفكك مقولات السمو والتفوق التي ادعاها العدو مستندا إلى مراجع العدو نفسه، وما تم تقديمه من أمثلة لا يمثل إلا جزء يسيرا مما هو في الرواية. كما وقام أبوصبيح بحركة بندولية بين الماضي والحاضر أكد فيها بأن العدو قد اتبع نفس استراتيجياته القديمة في احتلال الأرض والإنسان، وفي ذلك دعوة لقراءة التاريخ من جديد وخصوصا تلك الصفحات التي قُضي فيها على دولة العدو حتى نتعلم منها ماذا يجب علينا أن نفعل في سبيل تحرير الأرض والانسان.