اسعد العزوني
الرئيس الدكتور المنصف المرزوقي ،ذلك اليساري المثقف الصلب الذي جاء من الصحراء بكل صفاتها ،وكان إبنا للجوع والحرمان والفقر ،لم ينتقم من واقعه المؤلم ،ولم تحدثه نفسه بالغنى الحرام والشبع الحرام على حساب الشعب ،ولم يخطط كيف يتسلق بإنتهازية قذرة للوصول إلى منصب رفيع ،مقابل التنازل عن كرامته ومبادئه التي آمن بها وضحى من أجلها ،وجعل من نفسه مثقفا ثوريا إشتراكيا تحرسه مبادئه.
لم يستسلم المنصف المرزوقي لبداوته ولم يخضع لفقره ويندب حظه ،ويقول أن هذا هو نصيبي في الدنيا،بل جد وإجتهد،وتعلم وقرأ وثقّف نفسه ،وكان مثقفا ملتزما بقضايا الإنسانية جمعاء ،بشمولية ثورية لا تنقصها الطهارة.
درس المنصف المرزوقي مهنة الطب وفي خاطره مداواة وعلاج الأجساد ،لكنه إكتشف موطن ألم آخر يكمن في الأرواح ،فتحول لحقوق الإنسان لمداواة الأرواح التي تعاني من ألم التهميش والإقصاء والإضطهاد بعد جوع الأجساد بطبيعة الحال .
له من إسمه نصيب فقد كان منصفا في حكمه ومسيرته ولم يكن أنانيا يبحث عن مصالحه الضيقة ،ولو كان كذلك لإرتمى في حضن الديكتورية المخلوعة ،ولرعته وقدمت له الكثير لأنها لن تجد في ثناياها مثقفا شموليا مخلصا،ولكانت الديكتايورية الجديدة عاجزة عن النيل منه لأنه تحصن بالحماية ،وأصبح عصيا عن التعرض لغدر الغادرين وما أكثرهم في كل محطات الحياة .
بعد إندلاع الثورة التي فجرها الشهيد المظلوم محمد البوعزيزي ،آلت الأمور إنتخابا للدكتور المنصف المرزوقي إبن الشعب البار ،وأصبح رئيسا لتونس الجديدة ، وجلس على كرسي الحكم ،حاكما منصفا عادلا مفكرا مثقفا،وكان جل همه تحسين أوضاع شعبه ،سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا ،ومن القرارات المهمة التي إتخذها ،فتح الأسواق الإفريقية للمنتجات التونسية .
ذهب إلى إفريقيا وإستقبلوه أحسن إستقبال وأخذ معه نحو مئة رجل أعمال تونسي ،وانجز العديد من الإتفاقيات الإقتصادية لصالح تونس ،ولكن وعلى ما يبدو فإن أعداء الثورة المضادة في الداخل والخارج لم يعجبهم خط سير الرئيس العادل المنصف المرزوقي ،فحركوا ضده جراء الصحافة الإرتزاقيين ،ومقاولي السياسية الإنتهازيين ،ولم يتركوا تهمة باطلة إلا وألصقوها به وهو منها بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
لم يخطيء المنصف المرزوقي في مسيرته قبل وبعد الثورة ،فهو كما أسلفنا لم يكن إنتهازيا خفيفا توجهه مصالحه ،ولم يكن تاجرا تحدد خطواته مصالحه ،بل كان حاكما ملتزما بالتعاليم الإسلامية التي تتعلق بأصول الحكم وصفات الحاكم ،مع أنه يساري إشتراكي ، ولم يقبل على نفسه ان يكون تاجرا وأميرا .
إضطر المنصف المرزوقي للخروج من دائرة الحكم ، وجاءت بعده ثلة من الحرس القديم أعداء الثورة ،وأرجعوا تونس إلى ما قبل الثورة ،وإن لم يعد إليها بن علي الهارب وحاشيته التي كانت متضمنة لتونس وكأنها مزرعة ،وتعيث فيها فسادا وإفسادا .
عادت مظاهر الحكم المستبد إلى تونس بعد المنصف المرزوقي ،وهذا واضح للجميع حتى للعميان والصم ،ولكن جراء صحافة الإرتزاق ومقاولي السياسة الإنتهازيين المرتبطين بدوائر اعداء الشعوب في الداخل والخارج ،لم يحركوا ساكنا ضد ممارسات الحكم الجديد في تونس ،ولم نسمع منهم إنتقادا ولو حييا .
يكفي المنصف المرزوقي فخرا أن سجل نفسه كأول حاكم عربي منصف عادل يعمل من أجل شعبه وليس من أجل عائلته ومصالحه ولو كان كذلك لإصطفت معه قوى الظلام في الداخل تحرسه وتحميه ،ولعرضت قوى الخارج عليه صفقات مليونية لا تتوقف كي يتغاضى عن نهب المقدرات التونسية ،ولكنه آثر الإنسحاب بشرفه وكرامته وحافظ على مبادئه ،ولم تلوثه الكرسي ،أوتأخذه أحلام الإستبداد.