رمزي الغزوي
عند كل مشاجرة يروح ضحيتها إنسان نضع أيادينا على دفوف قلوبنا خوفاً وترقباً، لأن هذا القتل لا يعني إلا بداية لشر مستطير يتميز غيظاً نستطيع أن نحدد ملامح انطلاقته وبدايته، ولكننا لن نعرف إلى أين سيوغل في العنف، وأية دماء ستهرق بعده وكم بيتاً سيحرق وكم عائلة ستشرد بنسائها وأطفالها؟!.
واحدة من مناطقنا عاشت إحتقاناً شديداً على خليفة مقتل شاب قبل ايام، وما زالت تقف على رؤوس أصابعها وأعصابها تترقب بفزع. فمشاهد البيوت المحترقة والتجييش والتفزيع والفوضى تمنحك شعوراً أننا نحيا قانون الغاب بكل تفاصيله ومعانيه.
قبل قيام الدولة كانت الأعراف تمنح لذوي المقتول وقتاً للتنفيس عن غضبهم في ما يسمى ب(فورة الدم)، وهي مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام وثلث اليوم، يكون فيها مباحاً أن يثأروا لقتيلهم، وأن يحرقوا ممتلكاتهم ويردوا الصاع صاعين، وكأنها فرصة لحقن الدم على المدى البعيد، فربما قُتل القاتل فتنتهي القصة رأساً برأس.
لكن في الوقت ذاته كان يمنح ذوي القاتل فرصة لحماية ممتلكاتهم، وهي فترة زمنية تساوي فورة الدم، من خلال عطوة آمنة أي هدنة تعرف (بالمهربات والمقربات)، يتاح لهم تهريب ممتلكاتهم وحلالهم وأشيائهم الثمينة القريبة لنفوسهم بحماية طرف ثالث، يسمى وكيل الدفا، قبل أن تمتد إليها يد الإنتقام.
نستتفه الأسباب التي تقود إلى إزهاق حياة إنسان، وندين ردود الأفعال التي تعقب هذا الدم، فهي لا تعني إلا مزيداً منه فالنار لا تكافح بالنار، والدماء لا تغسل بالدماء، فهذا يدخلنا في حلقة مفرغة مفزعة.
للأسف يبدو أننا نمارس إزدواجية عجيبة غريبة. ففي الوقت الذي نخول فيه الدولة أن تقوم بالقصاص وإيقاع العقوبات وأخذ الحقوق نهب لنأخذ حقنا بيدنا، مستجيبين لقانون الغاب ومعطياته: نقتل، ونحرق، ونستبد ونزمجر، ونحتشد على أسس الدم والقرابة ونشيع الفوضى ونهدم حياتنا ومجتمعنا. وننسى أن على المنتقم دائماً أن يحفر قبرين اثنين.
نشعر بالأسف على القتيل وبالحزن مع أهله، ولكننا لا نريد أن نفاقم خساراتنا وحسراتنا. فهل سيقف الدم إن واجهناه بالدم؟!، ثم ما ذنب البيوت والأشجار والممتلكات أن تحرق وتبدد دخانا وهباباً؟!.
نقدر حالة الغضب التي تتلبس ذوي المقتول رحمه الله، ولكن لنتذكر أننا في دولة يحكمها القانون، وأن مصابك لا يعطيك الحق بتعميق خسارة البلد، بمزيد من القتل والحرائق والإحتقان، وبث مشاعر الخوف وعدم الأمان.