دون إبداء أي نوع من الاعتراض، نفذ المواطن الأوامر وأغلق الباب على نفسه في منزله فور صدور أمر الدفاع ، ليمضي 81 يوما بالحجر ، بين حظر جزئي وحظر شامل ، مُنع خلالها من التنقل إلا سيرا على الاقدام ، وأغلقت سائر الاعمال ، ومارس بعضهم خلالها اعماله في المنازل ، وتمت الدراسة عن بعد إذ أغلقت المدارس والجامعات ، وهجرت المساجد والكنائس ، وأصيب بحالة من صدمة وهو غير مصدق ما يجري في الأردن والعالم بأسره . وفجأة قرر الأردن حاله حال سائر بلاد العالم فتح الباب على مصراعيه خوفا من الانفجار الاقتصادي ، مما يشير الى ان هناك محركا عالميا قرر الاغلاق وهو ذاته من قرر اعلان حالة الانفتاح العام ، وانتهاج استراتيجية ” مناعة القطيع ” في مواجهة فيروس كورونا المستجد ، التي تستند الى ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بحيث تترك معظم أفراد المجتمع يصابون بالفيروس، لاكتساب أجهزتهم المناعية المناعة المطلوبة لمحاربة الفيروس في حال هاجمة مجددا .
وما ان خرج المواطن الأردني من الحجر المنزلي حتى وجد نفسه اما فقد عمله بعد ان تم تسريح اعداد كبيرة من الموظفين والعاملين، او خُفض من راتبه النصف أو أكثر ، وشطبت علاوته ، وأنه على موعد مع إعادة الهيكلة ، وصحا على واقع اقتصادي مرير ، إذ أصبح أشد فقرا ، ويعاني البطالة ، وأكثر ضياعا وهو يبحث عن حلول وآليات للنجاة بنفسه وبأسرته ، ليكتشف بعد انتهاء حالة الذهول أنه فعلا كان ( المواطن المطيع ) .
وبعد ان وجد المواطن الأردني ان حكومة ( الباك تو باك) لا تجيد الا تقديم ( البوربوينت ) ووضع المصفوفات ذات الألوان الزاهية .. وايقن انها حكومة شعارات ( نجاحنا بالتزامكم .. و الإنسانية جمعاء .. وما تبقى تفاصيل ..اسعد الله مساءكم بكل الخير).. تيقن عندها أن الحكومة أخفقت لأنها حملت دورا اكبر منها .
بدأت علامات الصحوة تظهر على المواطن الأردني ، وعاد الى نقطة الارتكاز وهي عدم الثقة بالحكومة وقراراتها ، ودخل في طور الشك ونكران وجود الفيروس ، وانه كذبة عالمية لا أساس لها من الصحة ، وبدت عليه حالة من التمرد بعدم الالتزام بالتعليمات الوقائية ، وابسطها عدم ارتداء الكمامة والقفازات ، بعد ان تملكه شعور أنه ضحية مؤامرة فيروس الكورونا .
بعد جائحة الكورونا ، وما رافقها من ترد للأوضاع وتراجعها ، بات هناك تخوف حكومي من الاشتباك مع المواطن مجددا في حال عودته الى الشارع للاحتجاج والمطالبة من جديد بما كان قد حصل عليه من الشارع عندما طالب بتغير النهج وتحسين الأوضاع المعيشية ، ورفض سياسة فرض الضرائب والمطالبة بمحاسبة الفاسدين اذ دعا غضب الشارع الملك لتهدئته بإقالة حكومة الملقي .
وتبعا للمتوقع من الاحداث والاجراءات فان الموظفين الذين ستخضع دوائرهم ومؤسساتهم الى اعادة الهيكلة سيعودون للاحتجاج امام مؤسساتهم على قرار إعادة الهيكلة ، تماما كما حدث خلال فترة حكومة البخيت .. وكلنا يذكر اعتصام المتقاعدين العسكريين أمام رئاسة الوزراء مهددين بما سموها “ثورة العسكر” إذا لم تلب مطالبهم بمساواة رواتب قدامى المتقاعدين بالجد ، وذلك في سياق احتجاجات على مشروع حكومي لإعادة هيكلة رواتب الموظفين والمتقاعدين في القطاع العام .
ومما يؤكد المتوقع ان بوادر الخلاف بين المعلمين والحكومة بدت ترسل اشاراتها بعد ان أوقفت علاوة الرتب الخاصة بالمعلمين الذين حصلوا عليها بعد تنفيذهم لأطول اضراب للمعلمين شهده الأردن والذي استمر شهرا كاملا حصل المعلمون على اثره على مطالبهم بموجب اتفاقية مع حكومة الرزاز التي هي الحكومة ذاتها التي جردتهم منها مرة أخرى وبعد اشهر بسيطة وبحجة الكورونا .
ما بين حجر صحي وحظر شامل ، ومناعة القطيع والمواطن المطيع ، اكتشف المواطن الأردني انه خلال الجائحة انفق على نفسه من جيبه ، وخسر ما في جيبه، وتطاولت الحكومة على جيبه ، وسلبته ما في جيبه وما جمعه بعرق جبينه .. وكل ذلك بفضل المواطن المطيع