د.حسام العتوم
روسيا الاتحادية التي نعرفها تعتبر شرقنا بأنه القريب ، وتطلق عليه باللغة الروسية مصطلح ” بليجني فستوك ” ، وهي وريثة الاتحاد السوفيتي ، و لهما مواقف معنا نحن العرب استراتيجية و لم تتغير ، و لم تنقلب ، و يدعمان حركات التحرر العربية و في كل العالم ، وهي اليوم كما كانت في الزمن السوفيتي تواصل التصدي للحرب الباردة و سباق التسلح .
وتعارض التوجهات الغربية الأمريكية ذات العلاقة بأحادية القطب المتغول على أركان العالم و الباحث عن الحروب و العدوان، و المشعل لنيران الخلاف بين روسيا و أوكرانيا ” كييف ” ، والمساند للاحتلال الإسرائيلي الغاشم و جريمة حربه البشعه بحق الفلسطينيين في غزة أصحاب الأرض و القضية العادلة . و يشكك بمجريات محمكة العدل الدولية التي دعت لعقد جلساتها جنوب أفريقيا مشكورة . وليس صحيحا أن المطلوب من جنوب أفريقيا محاورة إسرائيل على جريمة حربها قبل أن تذهب الى المحكمة، و تستحق إسرائيل المحاكمة و الدعوة لتفكيكها و اعادة يهودها الى من حيث قدموا من ( بارابيجان ) الروسية و من أوروبا و أفريقيا ومن غير مكان .و لروسيا توجه صوب تعزيز أعمال أقطاب العالم مثل ” البريكس ” ، و ” شنغاهاي ” ، و الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي .
يطالب البعض في منطقتنا روسيا باتخاذ موقف حازم و ربما عسكري بحق إسرائيل في موضوع عدوانها على قطاع غزة ، و على أهلنا في فلسطين – في الضفة الغربية ،ومنهم من يطالبها بموقف مماثل لحماية سوريا من الهجمات الإسرائيلية المتكررة عليها بحجة ملاحقة مليشيات ايران و حزب الله هناك، ومن يطالب يصعب عليه استيعاب دور روسيا في العالم وفي منطقتنا، وبأنها دولة عظمى بوزن قطب عملاق يواجه حربا باردة ساخنة و سباق تسلح متسارع ،و مؤامرة غربية مبرمجة تهدف لتطويقها و تقسيمها حتى، وتعطيل الغرب لنظام ” سويفت ” المصرفي الذي الحق الضرر بالتعامل النقدي بين روسيا و العالم ، واحدة من أمثلة سلوك أحادية القطب السلبي والمعيق لحياة البشرية وفرض عقوبات اقتصادية متواصلة على روسيا مثال آخر .
ولمن لا يعرف ، فإن روسيا دولة توازنات و سلوك حكيم ،وحتى في مجلس الأمن لا تستخدم ” الفيتو ” الا في مصلحة الشعوب و الدول المنكوبة مثل سوريا، ومع اندلاع هبة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 تحركت بإتجاه مجلس الأمن وطالبت عبر مندوبها بوقف القتال الدائر في غزة فورا ، واستضافت حماس والجهاد ، ودعت لحوار بين إسرائيل و حماس ، ووجهت مساعداتها الانسانية الى جانب المساعدات الشيشانية للقطاع ، و انسجام و تناغم في الموقفين الروسي و الشيشاني ، بين الرئيس فلاديمير بوتين و الرئيس الشيشاني رمضان أحمد قديروف ملاحظ، و حديث عن دعم روسي على مستوى السلاح الخفيف الدفاعي لحماس بإعتبارها حركة تحرر ، و ترفض اتهامها بالإرهاب ، رغم وجود صحفيين روس يعملون لصالح الإعلام الإسرائيلي الناعت لحماس بالإرهاب ، وهو المرفوض بطبيعة الحال .
وروسيا السوفيتية في زمن الزعيم جوزيف ستالين و ابان الاتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، و بعد المحرقة اليهودية ” الهولوكوست ” وجهت اليهود للذهاب الى القرم وسط البحر الأسود أو الى سخالين على حدود اليابان عام 1950، ثم تقرر الدفع بهم و توراتهم الى فلسطين و تلاقوا هناك مع توجه مؤتمر تيودورهرتسل في بازل الذي حرك سهامه صوب فلسطين عام 1897 ، و عين الصهيونية على البحث عن هيكل سليمان المزعوم، وتم صناعة ( إسرائيل ) وحظيت بحماية غير نظيفة من قبل الغرب الأمريكي، و الان أصبحت الفرصة مواتية أمام اليهود للبحث عن وطن جديد مثل ” الاسكا ” الأمريكية – الروسية الأصل منذ زمن القياصرة ليبنوا هيكل -سليمانهم الخيال- هناك ، وليرتاح الشرق منهم ومن أذاهم ، و ليصبح خاليا من جرائم الإبادة التي تمارسها إسرائيل على أرض فلسطين علنا وبوقاحة ، ومن سلاح الدمار الشامل الذي تملكه دون غيرها، و بالمناسبة ، فإن قادة الليكود جميعهم يستحقون أحبال المشانق .
روسيا الاتحادية اصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1991 وبعد تحريكها لعمليتها العسكرية الخاصة تجاه ” الدونباس ” عام 1922 ، الأكثر تمسكا بالقانون الدولي الى جانب الصين و الهند وايران و العرب ، و ترفض تغول الغرب عليها . ومع هذا لاحظنا كيف عمل الغرب و بأسلوب مرفوض على اخراج روسيا من مؤسسة ” حقوق الإنسان ” التي أصبحت مخترقة صهيونيا الى جانب الأمم المتحدة و مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الكبرى، وليس مطلوبا من روسيا التدخل العسكري لوقف القتال في غزة ، ونعرف في المقابل بأن الرئيس بوتين وصف حصار غزة بحصار ليننغراد عام 1943، وفي المقابل عزف العرب مجتمعين و تحت مظلة جامعتهم العربية عن التدخل العسكري لمعالجة الآثار السلبية للعدوان الإسرائيلي على القطاع ما عدا حزب الله و الحوثيين اليمنيين، وهما من حركات التحرر وبدعم ايراني و اضح، ولم تبادر الجامعة العربية لتحريك شكوى ضد جريمة الإبادة الإسرائيلية في محكمة العدل الدولية قبل جنوب أفريقيا ، وهو الملاحظ والمدهش .
الدول العربية في المقابل اتخذت موقفا حياديا من العملية / الحرب الروسية الأوكرانية ومع ( الناتو ) بالوكالة ، و بعض دول العرب قدموا العون المالي لنظام ” كييف ” من دون معرفة كافية بحثييات الصراع القائم ، وخارج اجتهاد معرفة حجم الدعم المالي و على مستوى السلاح للعاصمة ” كييف ” من الغرب و بحجم تجاوز مئتي مليار دولار، ولم يوجه العرب دعمهم المالي للشعب الأوكراني علنا أو لإعادة البناء . ولروسيا علاقات استراتيجية متوازنة مع إسرائيل ولها حضور يهودي روسي هناك ، ومع العرب ، لكنها تختلف عن الغرب الأمريكي بأنها تساند القضية الفلسطينية العادلة بوضوح ومن دون مواربة ، وتطالب إسرائيل بشجاعة بمغادرة الأراضي العربية المحتلة لحدود الرابع من حزيران لعام 1967 ، والموافقة على دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وفقا للقانون الدولي والقرار 242 ، وبتجميد المستوطنات، وبضمان حق العودة .
وهاهي روسيا تدعو مجلس الأمن للإنعقاد لبحث الهجوم الأمريكي – البريطاني المشترك على اليمن و استهداف الحوثيين ،و هو الأجراء المنتقد عالميا، وليس من حق (تال بيكر) المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية في خطابه في محكمة العدل الدولية افتراض أن حماس تريد ابادة إسرائيل، وبأن بلاده إن أوقفت الحرب ستكون الخاسرة أمام المقاومة الفلسطينية وإسرائيل لا تملك حق الدفاع عن النفس ولا حق الحرب ، و هي محتلة لفلسطين وللأراضي العربية بعد حرب حزيران 1967، والمحلل السياسي الروسي مكسيم جيفجينكا يؤكد عدم أحقية إسرائيل بالتواجد فوق فلسطين و الأراضي العربية ، وبأن اليهود قدموا الى بلاد العرب و لم يولدوا هناك .
وتقود روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و اندلاع عمليتها العسكرية الخاصة توجه عالم الأقطاب المتعددة و ترفض هيمنة أحادية القطب، وهو الأمر الذي يتطلب من العرب التوحد حول قطبهم و صيحة مليكهم وشريفهم الحسين بن علي -طيب الله ثراه- بعاصمة واحدة و جيش واحد و عملة واحدة و اقتصاد و احد، وهو الأمر الذي سيقود لعلاقات خارجية أقوى .