تمخض عن الحرب العالمية الثانية، وما تسببت به من ويلات من قتل ودمار ووحشية، وانتهاك الحقوق والقوانينوالأعراف الدولية والإنسانية كافة ولادة ما يسمى اليوم بـ “الأمم المتحدة” التي تبنت من خلال جمعيتها العموميةالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول لعام ١٩٤٨. فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الانطلاقةالأولى، وشعلة الأمل لتلك الأمم التي عانت الكثير من الحروب وويلاتها. فقد أصبح هذا الإعلان وبروتوكولاته الإضافيةعالميًا بامتياز من خلال عدد الدول التي وقعت على هذا الإعلان، حيث امتنع عدد قليل من الدول عن توقيعها ولوبالأحرف الأولى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. لكن سرعان ما تكشفت حقيقة هذا الإعلان الذي تجمّلبشموليته ومحتواه، حيث بدأ يفعل كوسيلة وأداة بيد الدول العظمى؛ لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها، وقدتجلت بداية تلك الممارسات في فلسطين المحتلة من خلال تجاهل المجازر التي ارتكبت على أيدي الصهاينة، وتهجيرأهلها وتوطين شتات العالم من اليهود؛ تنفيذا لأهداف الحركة الصهيونية العالمية التي تدعي أن فلسطين هي أرضالآباء والأجداد
(إيريتس يسرائيل ضاربًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعرض الحائط. .
إن التذرع بحقوق الإنسان لانتهاك حقوق الإنسان لم يتوقف منذ ذلك الإعلان، فكان الاجتياح الأمريكي وحلفائه علىالعراق، والذي راح نتيجته – وفق إحصائيات الأمم المتحدة – ما يزيد عن مليون قتيل، وهجرة الملايين إلى الداخلوإلى دول الجوار؛ بحجة حماية حقوق الأقليات من بطش النظام، واتهامه باطلا بامتلاك أسلحة كيمياوية تذرع بهاالغرب على أنها تشكل خطرًا على المدنيين، ولم تكن الحالة السورية واليمنية واللبنانية والليبية والسودانيةوالأقليات المسلمة في كافة أنحاء العالم بأفضل حال، حيث انتهكت حقوقهم الأساسية والدينية والسياسيةوالاجتماعية والثقافية والاقتصادية؛ بذريعة حماية حقوق الإنسان. إن لعنة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد حلتبدول العالم الثالث، ولا سيما الدول العربية والإسلامية، فقتل من قتل وتهجر من تهجر، وتقسمت الأوطان، وانتزعتالثروات، وظهرت الجماعات المسلحة المتناحرة على خلفيات عقائدية وطائفية وأيدلوجية، مما عمق المأساة،وتسببت في ديمومة هذه المعاناة .
إن ما يتعرض له قطاع غزة اليوم من إبادة جماعية، وتهجير قسري، وتجويع وتدمير كل مناحي الحياة أمام مرأىالعالم الديمقراطي المتحضر، والذي ما سكن عن المناداة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في أروقة الأمم المتحدة،والمسارح والمنتديات العالمية التي ما لبثت أن تكشفت حقيقتها، وأزيل عن وجهها القناع فأظهرت ازدواجيةالمعايير بأبشع صورها نحو حقوق الإنسان في غزّة من خلال إطلاق يد الآلة العسكرية الصهيونية؛ كي تعيث دمارًاوقتلا بدعم لا سابق له سياسيا واقتصاديًا وعسكريا وإعلاميًا، واعتبرته دفاعا عن
النفس ، حيث تسبب في قتل ما يزيد على ٢٦٠٠٠ ألف و ۷۰۰۰۰ ألف . جريح.
إن الازدواجية في المعايير الإنسانية والنفاق الإنساني مورس أيضًا في حرب البلقان عام ١٩٩٢ التي شنت على الضرببقيادة الناتو؛ لنصرة الأقليات المسلمة في البوسنة والهرسك – في ظاهرها – ما جاءت إلا بعد قتل وتهجير عشراتالآلاف من المسلمين، وكانت لغايات سياسية بحتة؛ لتقزيم النفوذ الروسي في البلقان ، واليوم يسعى الغرب إلى عزلروسيا، وتشويه صورتها عالميًا؛ بسب انتهاكها لحقوق الإنسان في أوكرانيا، وخير شاهد على ذلك مؤتمر مجموعةالعشرين في الهند الذي سبق بقليل حرب غزة، والذي تجيشت له معظم
دول العالم لنصرة أوكرانيا، والدفاع عن حقوق الإنسان المزعومة فيها.
وختامًا إن ما يجري اليوم من تخاذل وتواطؤ عالمي وإقليمي في غزة والضفة الغربية أكبر دليل على عجز كبرىالمنظمات الأممية والحقوقية أمام الآلة الصهيونية والغربية عن حفظ كرامة الإنسان البشرية، وحقه في الحياة،وأثبتت أيضًا بما لا يدع مجالا للريب بأنّ وجه السياسة من عظم لا يندى باتفاقيات ولا مواثيق، وأن الإنسانية ما هي إلاترانيم تنشد عند رؤوس ضحاياها، وأن صوت القوّة هو الذي يعلو، وأن القوة هي من تعرف الحقوق متى شاءتوكيفما شاءت.