فارس الحباشنة
لبنان فينيقي وفرنكفوي ام مشرقي عربي؟
من بعد الدعوة لاهل لبنان بالسلام والامان والمحبة.
هوية لبنان حازت على مساحة واسعة من الجدل السياسي والثقافي، ولاسيما بعد الحرب الاهلية في ثمانينات القرن الماضي. الهوية اللبنانية حملت اشكالية منذ ولادة الدولة مطلع القرن الماضي بعد تقسيمات سايكس بيكو.
ولم يكن غريبا ان يوقع الاف اللبنانيين على عريضة تطالب بعودة الاستعمار الفرنسي. وزيارة ماكرون الخاطفة لبيروت على خلفية انفجار الميناء الحزين ، وما خلف من دمار وخراب وقتل، اضافت المزيد من الجدل اللبناني حول الهوية والدور، والعلاقة مع فرنسا.
خلاف الهوية اللبنانية اخذ مناحي دموية في ثمانينات القرن الماضي، حرب اهلية بين المسيحية والمسلمين والشيعة والدروز. وهل يحتاج لبنان الان لماكرون؟ الاعلام اللبناني القريب من فرنسا وذو الميول الفرانكفونية جعلوا من ماكرون مخلصا , ابا حنونا، وراينا صورا للبنانيين يركعون ويقبلون ايدي ماكرون ويتمسحون في جنابه.
هناك طبقة لبنانية لا تتكلم العربية. وينظرون بازدراء للغة العربية، والثقافة العربية. واللغة الفرنسية هي ام ثانية، يتعلمونها في المدارس والجامعات. طبعا، الارساليات التبشيرية في القرن التاسع عشر كان لها وما زال دور كبير في انتاج التعليم والثقافة اللبنانية.
في الجامعات الفرنسية اكبر عدد من الطلاب على مقاعد الدرس لبنانيون. ويحظون بمعاملة خاصة، وتسهيلات للراغبين في الدراسة والتعلم في فرنسا. والمركزالثقافي الفرنسي في بيروت الاكبر في الشرق الاوسط. ويحتضن فنا ومسرحا وفكرا وثقافة، وداعم رئيس للحركة الثقافية والفنية في لبنان.
نخبة ثقافية وفكرية وفنية مهووسة بالفرنكفونية والفنيقية . ومن يؤمنون بان لبنان شعب وامة. وينفون ارتباطهم بالعالم العربي والمشرق العربي، والهوية العربية -الاسلامية.
هذا الهووس المزعوم بالانعزالية، وصل مثقفين ومفكرين الى طرح ما يسمى التفوق اللبناني والعبقرية اللبنانية، واوروبية لبنان. جبران خليل جبران لم يعترف بعروبته، و»كتاب النبي « مصفوف حتما في اي بيت لبناني كالانجيل ، والكتاب تقليد لنيتشه في كتابه « هكذا تكلم زرادشت «، ولكن عندما تسمع النقاد اللبنانيون يتحدثون عن جبران تقول : ان الكتابة والابداع قد مات من بعده.
وسعيد عقل الشاعر الشهير صاحب مقولة ان لبنان واحد من الحضارات الثلاث عبر التاريخ. لم يات هذا الضجيج من فراغ. وانما له علاقة مع نموتيار الفرنكفونية، والتغريب، وايضا تاريخيا مع الحروب والنزاعات الطائفية، فكل طائفة شكلت لها وطنا، وخيالا لوطن.
ولما هو ابعد ايضا ان تيارا فرنكفونيا انحاز الى التعاطي مع الانعزالية والتفوق اللبناني بالمقارنة بين اسطورة تاسيس اسرائيل وتاسيس كيان موطىء قدم للفرنسيين في الشرق الاوسط.
المؤرخ فيليب حتى في كتابه المفصل عن تاريخ لبنان اتى بفكرة لبنان الوطن الممتد والمستريح على مر العصور التاريخية. وكان متاثرا بالفكرة السائدة في مصر عن الفرعونية وسيطرت على نخبة ثقافية وفكرية ومن ابرزها طه حسين.
مئير زمير في كتابه تحدث ايضا عن تاثر النخبة اللبنانية بالعقيدة الصهيونية، والبحث عن انشاء وطن. وكان للعقيدة الصهيونية اصداء في تضخم فكرة الوطن لدى نخبة ثقافية وفكرية لبنانية كانت تعيش في مصر، وتسمى في الادبيات الصحفية انذاك باللوبي اللبناني .
نخبة كانت مهووسة بالاوروبي، والرجل الابيض. وجورجي زيدان تحدث عن «باريس الشرق «، وكانوا شديدي الدفاع عن حلمهم بان تكون لبنان جزءا من اوروبا رغم عسر الجغرافيا. ولعبت الجالية اللبنانية في امريكيا والغرب دورا هاما بالترويج لهذه الافكار.
في ثمانينات القرن الماضي التحالف بين الكتائب واسرائيل لم يكن من فراغ . فالماورنة ربطتهم علاقة مع الحركة الصهيونية من اول ولادتها. وفي اثناء حرب 48 رفع المطران انطون عريضة بمذكرة الى الامم المتحدة تدعم وتؤيد وتبارك قيام دولة اسرائيل. وفي اجتياح لبنان في 82 وزع الموارنة الورود ، ونشروا بيانات حماسية لاستقبال الاسرائيليين.
في الدرس التاريخي الجاد والرصين لتاريخ الفنيقية ومدنها. فكل ما بشر به اللبنانيون محض دعائية وافتراءات وكلام غير علمي وتاريخي. ايدلوجية وطنية متطرفة ليس لها اصل تاريخي بالوثيقة والرواية والسند.
الهوية اللبنانية حكاية اشكالية وسجالية. وما بين التيارين الفركونفوي والداعي لاحياء الفنيقية، والعروبي المشرقي ساحات واسعة من الصراع السياسي والثقافي الممتد، وغير قابل للحسم. كل تيار مكبل بايدولوجيا وعقيدة سياسية، وروايات من التاريخ يدافع عن مقولاته.
والا ان كل ذلك لم يحمِ لبنان من حرب اهلية متوحشة، وتحولها الى دولة فاشلة منخورة بالفساد السياسي الطائفي، وما وصلت اليه لبنان اليوم بعد انفجار الميناء الناجم عن الادارة السيئة والاهمال والفساد واللامبالاة، وتعطيل المؤسسات الدستورية والقانون.