عوض الصقر
الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي العالمية في الأيام الأخيرة لشرطي أمريكي وهو يقتل مواطنا من أصول إفريقية، يدعى جورج فلويد، بدم بارد، بالضغط على رقبته برجله حتى الموت في ولاية مينيسوتا وأمام أنظار الجميع، أثارت موجة عارمة من الغضب والاستنكار في أوساط الأمريكيين المنحدرين من أصول افريقية في الولاية حيث خرجوا بمسيرات ومظاهرات عارمة للتنديد بالجريمة البشعة.
وأكد المدافعون عن الحقوق المدنية في الولاية عن رفضهم المطلق لهذا الاستخدام المفرط للقوة وبشكل لا يمت للإنسانية بصلة، الأمر الذي أودى بحياة إنسان كان بالإمكان احتجازه واستجوابه بدون عنف.
وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان وفاة مواطن أمريكي آخر من أصول افريقية في ظروف مشابهة في العام 2014 بعد أن جرى اعتقاله بطريقة عنيفة من قبل الشرطة للاشتباه في أنه يبيع سجائر بشكل غير قانوني قبل وفاته اختناقا أثناء فترة اعتقاله.
وكالعادة فقد جرى إحالة قضية فلويد إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI للتحقيق فيها، الأمر الذي يمكن أن يحولها إلى قضية انتهاك حقوق فيدرالية، ما يعني أنه سيلفها النسيان كما لف غيرها.
وهنا استذكر الناشط السياسي الأمريكي مارتن لوثر كنغ الذي كان يطالب بإنهاء التمييز العنصري ضد السّود في الولايات المتحدة وحصل على جائزة نوبل للسلام في العام 1964 ثم جرى اغتياله في العام 1968، بعد أن أسس حركة سياسية تهدف لتمكين الأمريكان السود من الحصول على حقوقهم السياسية والمدنية التي يكفلها الدستور الأمريكي.
ومع أن جريمة مقتل فلويد ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة فالعنصرية في الولايات المتحدة متجذرة في سلوكيات الأمريكان ونمط حياتهم منذ الأزل، إلا أن إرتكابها في عهد رئيس عنصري مثل ترامب يعطيها اهمية خاصة.
فمنذ وصول هذا الرئيس إلى سدة البيت الابيض وهو يحرض على السكان غير البيض ويطلق تصريحات عنصرية مناهضة للمسلمين والمهاجرين القادمين من بلدان سوداء وملونة حيث نعت المواطنين الأمريكيين من أصول افريقية بأحقر العبارات ووصف أحياءهم بالقذرة كما وصف قارة إفريقيا التي تم استجلابهم منها عنوة للعمل بالسخرة في مزارع اجداده بانها حفرة قذارة الأمر الذي ادى الى تصاعد الجرائم ضدهم في عهده بشكل غير مسبوق، في الوقت الذي يرحب فيه بالمهاجرين القادمين من بلدان اوروبية لا سيما إلإسكندنافية منها.
وهنا أود التذكير بأن المجرم الذي ارتكب مذبحة المسجدين في نيوزيلندا العام الماضي والتي أودت بحياة عشرات المصلين الركع السجود، إعترف في التحقيقات القضائية اللاحقة أنه كان متأثرا بتصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب المعادية للمسلمين وبأفكاره المتعلقة بتفوق الرجل الابيض وسيادته في المجتمع.
إن العنصرية في بلاد العم سام ليست هفوة غير مقصودة بقدر ما هي تربية وسلوك ونمط حياة تتوارثه الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل، فالمرشح الديموقراطي الذي سينافس ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة جو بايدن تلفظ هو الآخر قبل أيام قلائل بعبارات عنصرية ومسيئة ضد السود في أمريكا في برنامج إذاعي تم بثه على الهواء مباشرة مع أنه اعتذر في وقت لاحق عن ذلك التصريح المسيء.
وبعد، فهذه هي العنصرية الحقيقية التي تمارسها الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتي تقوم على مبدأ تفوق العرق الانجلوسكسوني البروتستنتي الأبيض المعروف بدعمه المطلق لليهود وعودتهم لأرض الميعاد في فلسطين تمهيدا لعودة المسيح المنتظر بحسب زعمهم وذلك بالرغم من الشعارات الزائفة والادعاءات الباطلة التي تطلقها تلك الإدارات للحرص على الديمقراطية وحقوق الانسان والحقوق المدنية لجميع المواطنين بغض النظر عن أعراقهم أو أصولهم.