أمل الكردي
من الغبن التاريخي تجاهل البدايات الحقيقية لنمو حركة التحرر القومي العربي ،إن حركة القومية العربية لم تكن وليدة أوائل القرن العشرين بل كانت تعود الى منتصف القرن التاسع عشر وهذا ما كان الا لأسباب اهمها وجود العرب في اسطنبول في ظل الرابطة الاسلامية في دولة واحدة يجمعها الولاء للخلافة قبل تولي حزب الاتحاد والترقي الحكم. وفي إنقلاب 27 نيسان 1909م الذي اخذ الاتحاديون يتجهون الى فكره التميز بين العنصر التركي وغيرهم بعد ان كان يجمعهم الولاء للرابطة الاسلامية وبعد أن تغيرت الدولة من كيان اسلامي ذي قوميات متساوية بالحقوق والواجبات الى كيان عنصري ليبدأ بعدها اضطهاد العرب والقوميات الاخرى ومحاولة التتريك وتضييع هويتهم القومية.
فبدأت يقظة العرب القومية في بلاد الشام عام 1847 م بإنشاء جمعية أدبية قليلة الاعضاء في بيروت جمعية اللآداب والعلوم وكان رائدا هذه النهضة العربية الأديب ناصيف اليازجي وبطرس البستاني وكانت هذه الجمعية هي اول جمعية في العالم العربي الحديث في رأي الكاتب جورج انطونيوس في كتابهthe arab awakening ولكن هذه الجمعية لم تلبث طويلا وفي عام 1857تم تاليف جمعية اكبر عددا واوسع نشاطا هي الجمعية العلمية السورية وقد كرس اليازجي حياته لإحياء العربية والكشف عن كنوزها وتنيقيتها مما اصابها من ركاكة كما وهب البستاني اليقظة العربية اول معجم حديث واول موسوعة عربية حديثة واول مجلة حديثة وهي مجلة (الجنان) نصف الشهرية التي كان شعارها حب الوطن من الايمان وهكذا نرى ان اسس اليقظة العربية من خلال هذه المنابر كانت ادبية كما ساعد انعاش هذه الجمعيات التبشيرية التي تدفقت بالبلاد نتيجة لاحتلال ابراهيم باشا البلاد فعملت هذه الجمعيات على إنشاء المدارس ونشرت المطابع ونقلت الى بلاد الشام علوم الغرب وفلسفاته وآدابه .وقد قارب انتشار التعليم بين العرب من ملل مختلفة. وقد تأسست عام 1881م (جمعية حفظ حقوق الملة العربية)ونشرت هذه الجمعية نداء الى العرب من مسلمين ومسيحين تدعوهم الى الاتحاد ووزعت بيانها بعنوان الامة العربية فأين انتم وأين هم، من منكم اليوم أمير ومن منكم اليوم وزير ومن فيكم مدير بل كل واحد فيكم فقير …الخ
كما قام عبد الرحمن الكواكبي (1852-1902)م يطالب بنزع الخلافة من العثمانيين ووضعها في العرب ويخاطب العرب في كتابه طبائع الاستبداد فيقول : يا قوم وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين أدعوكم الى تناسي الآساءات والاحقاد وما جناه الآباء والاجداد ..فهذاه امم اوستيريا وامريكا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني والوفاق الجنسي دون المذهبي فما بالنا نحن لا نفتكر في أن نتبع احدى تلك الطرق او شبهها … والكواكبي يمثل ظاهرة في الحركة التي بدأها العرب والمسيحين لم تلبث ان انتقلت الى ايدي العرب والمسلمين .
وبسبب بطش الاتراك فقد لجأ العرب الى تأليف الجمعيات السرية والنوادي المسموح بها ولكن لها نشاط سري غير معروف للسلطات وقد تألف من هذه الجمعيات والنوادي عدد بين عام 1909و1914م وكان من اشهر الجمعيات علنيتان هما المنتدى الأدبي وقد انشأه مجموعة من الموظفين والنواب والأدباء العرب في القسطنطية في صيف 1909م وحزب الامركزية الادارية العثمانية وقد انشيء في القاهرة في اواخر عام 1912م ولم يمضي عام على انشاء لجنة الحزب اللا مركزية حتى اصبح افضل من يمثل اهداف العرب وأمانيهم من حيث دقة التنظيم وقوة التأثير .وكان من أشهر الجمعيات السرية جمعيتان هما القحطانية التي أنشئت في اواخر 1809م في القسطنطية على آثر أنشاء المنتدى الادبي والثانية هي جمعية العرب للفتاة والتي اسست في باريس عام 1911م وكان مؤسسوها سبعة اعضاء من شباب العرب والمسلمين ممن يدرسون في باريس وكان فيصل بن الحسين عضوا فيها كما كان عضوا في جمعية العهد وهي سرية وكان اعضائها من الضباط العرب في الجيش التركي.
ويمكن القول باختصار ان جميع هذه الجمعيات وغيرها كانت تهدف الى التخلص من ظلم الاتراك ورفع شأن العرب بعد أن يئس العرب من اي اصلاحات تحت حكم الاتراك ونشبت الحرب العالمية الاؤلى والعرب كارهون للترك بسبب سوء الحكم لهم وقد استغلت بريطانيا هذه النقمة فاتصلت بزعماء العرب وكانت مراسلات حسين -مكماهون التي تعد العرب بالوحدة، والاستقلال ولكنها وعود صيغت باسلوب عجيب قصد منه ان يكون قابل للتأويل حسب الظروف .وميزة انطونيوس هنا انه كان اول من عرف الغرب بهذه المراسلات وحقيقتها،وبسبب هذه الاتفاقيات وقف العرب الى جانب بريطانيا واعلنت الثورة العربية الكبرى عام 1916 والاحداث كما يبدوا المتتابعة هي التي عجلت باعلان الثورة العربية فقد كان الشريف حسين يرى استكمال الاستعداد قبل اعلان الثورة الا ان شنق الاحرار العرب على يد السفاح جمال باشا لم يترك مجالا للانتظار .
وبقي أن نعرف بأن إيمان القوميون العرب بالعروبة هي عقيدة ناتجة عن اللغة والتاريخ والثقافة مع حرية الاديان هو هدف القوميين العرب وسأضيف ما يعرف المفكر العربي عزمي بشارة القومية العربية ليست رابطة دم ولا عرق بل هي جماعة متحلية بأدوات اللغة ووسائل الاتصال الحديثة تسعى الى أن تصبح أمة ذا سيادة.
هذه بدايات البعض من القوميون العرب الذين ناضلوا من أجل أجيال قادمة .