الدكتور محمد حسين المومني
نقف في الأردن موقفاً قويا مشرّفا بوجه محاولات نتنياهو ضم أراض في الضفة الغربية والغور الفلسطيني. جهود سياسية حثيثة يقودها جلالة الملك اشتبكت مع المشهد السياسي الأميركي وكذلك الأوروبي، وجدت أصداءها في إسرائيل سيما حديث الملك عن صدام كبير سيحدث مع إسرائيل إذا ما أمعنت بالضم الذي من شأنه تبديد فرص قيام دولة فلسطينية فاعلة وقابلة للحياة، ما يعني حتما المساس بالمصالح السيادية الأردنية المرتبطة بقيام دولة فلسطين. إسرائيل تخرق معاهدة السلام التي تقول إن على كل طرف من أطراف المعادلة عدم القيام بأي ما من شأنه المساس بمصالح الطرف الآخر. الضم يمس مصالح الأردن وهو لذلك خرق مباشر للمعاهدة المهمة للطرفين والطرف الإسرائيلي بالتحديد. كان الأردن دائم الحرص ولا زال في المحافظة على معاهدة السلام التي وقعها حماية لمصالحه، لكنه يواجه الآن قيادة إسرائيلية تسعى للنيل من هذه المعاهدة عبر أحادية قراراتها.
قوة الموقف الأردني تتعدى استناده للشرعية والقانون الدوليين اللذين تحترمهما الدول المتحضرة وتحميهما، وتتعدى استناده لرجاحة المنطق والحجة في أن الضم سيقوّض حل الدولتين الذي لا زال يعتبر المخرج المنطقي للنزاع الدائر وفيه مصلحة لكل الأطراف بما فيها إسرائيل إن كانت تعي وتعقل، قوة الموقف الأردني تتعدى هذه العوامل لآخر مهم وهو تلاحم الموقف الرسمي مع الشعبي حول هذا الشأن، ما يعطي دفعة قوية للأردن للوقوف بوجه قرار الضم أو التعامل مع تداعياته. الأصدقاء والحلفاء، والعقلاء في إسرائيل، يدركون القوة المتأتية من التلاحم الرسمي والشعبي في القرارات الإستراتيجية المفصلية وما يعنيه ذلك من صلابة المواجهة. يشعر الأردن بصدق وعمق أن قرار الضم يقوض السلام ويمس المصالح الإستراتيجية لذلك فمن البديهي أن ينعكس ذلك سلبا على الاستقرار الإقليمي أو أي مستوى من مستويات التعاون وعلى كافة الصعد، وليجيبنا السيد نتنياهو أيهما أفضل لأمن بلده تعاون وتفاعل أمني مع الفلسطينيين والمصريين والأردنيين أم ضم أراض وإغضاب الجميع وبث الكراهية والعداء.
الحديث مع المؤدلج نتنياهو يبدو مضيعة للوقت بنظر كثيرين، لذلك فالأفضل الحديث مع شركاء نتنياهو في الداخل والخارج والحديث مع رأيه العام، وهنا لا بد أن نعترف أن الأطراف العربية قصرت تاريخيا بذلك فكانت مواقفها تستند للرفض وهذا غير كاف حتى وإن كان رفضا منطقيا وعقلانيا مسببا. المطلوب طرح البديل، وفي حالة الضم البديل حاضر وهو إحياء فكرة تبادل للأراضي تأخذ فيها إسرائيل التجمعات الاستيطانية وتعطي بالمقابل أراضي بنفس الجودة للدولة الفلسطينية وهذا ما تم التوافق عليه سابقا وكان الحديث عن نسب هذه الأراضي التي سيتم التوافق على تبادلها. لم نفلح كعرب بشكل كاف بطرح صفقة قرن 2 بديلة لتلك التي طرحها ترامب فتركنا الميدان فارغا، فدعونا لا نفوت فرصة للقيام بعمل دبلوماسي استباقي يطرح بديلا لفكرة الضم عن طريق إعادة إحياء فكرة تبادل الأراضي.