كمال زكارنة
حالات الانتحار واعمال القتل كلها جرائم ،لا فرق بينها الا في الاسباب والطريقة،لان المنتحر يعتبر شرعا قاتل نفس، وان كان قتل نفسه بنفسه، والذي يقتل شخصا آخر يعتبر ايضا قاتل نفس،والمنتحر يفلت من العقاب القانوني لانه فارق الحياة،ومن المفروض ان تقع عقوبة قانونية رادعة بحق من يحاول الانتحار على انها شروع بالقتل العمد،لاسقاط هذا الخيار لدى اي شخص يفكر بالخلاص من الواقع الذي يعيشه، والبحث عن بدائل اخرى غير قتل نفسه باختياره.
تزايدت في الآونة الاخيرة عمليات القتل وارتكاب الجرائم والانتحار في مختلف مناطق المملكة،حتى طالت اشخاصا لا يمكن لاحد ان يتوقع اقدامهم على هكذا افعال،وشملت الجنسين الذكور والاناث،وربما هذا التصعيد في اعمال القتل والانتحار يضع الاردن في مقدمة الدول التي تحدث فيها مثل هذه الافعال،وهذا مؤشر خطير جدا يجب التوقف عنده وبحث اسبابه بدقة وعناية وبشكل موسع وشامل،فهو مشكلة اجتماعية تكبر يوما بعد يوم،ولا بد من بحثها بعد الاعتراف بوجودها، وتشخيص تفاصيلها والعمل على معالجتها بالطريقة المناسبة التي من شأنها ان تنهيها او تحد من تفاقمها وانتشارها.
رغم هذا الارتفاع في ارتكاب الجرائم قتلا وانتحارا،الا اننا لم نلاحظ استنفارا على اي مستوى، باستثناء الاجهزة الامنية،بينما كان من الضروري ومن الواجب، ان تهب وزارات ومؤسسات الدولة الاخرى،في حملات توعوية ومتابعة ومراقبة حثيثة ،واظهار الاهتمام الكافي بما يجري داخل المجتمع الذي يتعرض لحالات من التصادم تهدد نسيجه وتماسكه ،بفعل هذه الاعمال الجرمية،وظل المسؤولون بعيدون عن مسرح الاحداث، كأن الامر لايعنيهم ،وحافظوا على الفجوة العميقة بينهم وبين المواطن، وزادوا من المسافة في البعد عن المواطن ،وهذا سلوك يشكل حالة من القطيعة بين المسؤول والمواطن ،يضع الاول في برج عاجي يرفض الهبوط منه الى مصطبة المواطن.
اسباب الاحتقان التي ملأت تفكير وعقول وقلوب الناس، وحشت اعصاب البعض حتى امتلأت بالهموم لعدم قدرتهم على مواجهة المسؤوليات والمتطلبات والاحتياجات التي لا يقوون على تحملها ومواجهتها والتصدي لها ،من اهم الاسباب التي تدفع الانسان الى القيام بأعمال خطيرة وعنيفة دون تفكير بالعواقب والنتائج،ومن بينها الانتحار والقتل،يضاف الى هذا اهمال المسؤول للمواطن وعدم الالتفات الى همومه واوضاعه وحاجاته يزيد الطين بلّة ،الى جانب الفارق الكبير في مستويات الدخل والمعيشة بين الغالبية الساحقة من المواطنين وفئة قليلة استمرأت كل شيء ،واغلقت جميع الابواب في وجه عامة الناس.
ظاهرة القتل والانتحار التي صعدت الى السطح مؤخرا،كان يجب ان تستفز وتستنفر المسؤولين في البلد، وان تحتل مساحات واسعة في جميع وسائل الاعلام لبحث وتشخيص اسبابها وطرح الحلول القابلة للتنفيذ لهذه المشكلة،لكن للاسف جسور التواصل بين المسؤولين والمواطنين قليلة وضعيفة.