أ. د. بـــــــلال أبوالهــدى
استكمالا لما اوردناه في بني إسرائيل-02, لم يكتف بنو إسرائيل بما فعلوه بالمسيح عليه السلام في حياته، وإنما دوَّنوا افتراءات كثيرة على المسيح عليه السلام واتهموا أمه مريم عليها السلام بالبُّهتان، وعاثوا في الأرض فساداً. واستمروا على جرمهم بعد رفع عيسى عليه السلام وأخذوا يكيدون لأتباعه (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 52))، ويطاردونهم، ويعملون على تحريف الإنجيل، حتى تمكنوا من ذلك بالسر والعلن (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة: 79)). وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً عندما خرجوا من الجزيرة العربية ومصر (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (آل عمران: 33)) وأراد الله لهم ان ينتشروا في جميع بقاع الأرض (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (الإسراء: 104)). فحقدت عليهم جميع الأمم والشعوب التي نزلوا في بلادهم. وشردوا في الأرض أكثر من مرة، فتفرَّقوا قبل الإسلام بالشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، في يثرب وخيبر ونجران واليمن. وفي كل أرض يحلون بها يكون ديدنهم التفريقَ بين الناس. كما فعلوا مع الأوس والخزرج في المدينة. واحتكروا التجارة، وعملوا في الربا، وأشاعوا الرذيلة والبغاء في جميع بقاع الأرض، وأكلوا أموال الناس بالباطل. واستمروا على هذه الحالة إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستفتحون على الذين كفروا، ويخبرونهم بأنه سوف يخرج نبي، وأنهم سوف يحاربون مع هذا النبي، فلما ظهر النبي من غير ملتهم، كذَّبوه، وآذوه، واستهزؤوا به، وسحروه، وهموا بقتله، وألَّبوا عليه المشركين، وبدؤوا يبثون سمومهم داخل الصف المسلم.
وظهر فيهم النفاق، واستمرَّ كيدهم للإسلام والمسلمين إلى يومنا هذا. وقد أسهموا إسهاماً كبيراً في إثارة الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة بمختلف طوائفها، والصوفية بمختلف طرقها إلى اليوم، والشيوعية الحمراء، وغيرها من الفرق والطوائف التي لا تحصى، كل هذه الفرق والطوائف إما من صنعهم، أو من تشجيعهم، ومساندتهم (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ (المائدة: 33، البقرة: 217)). من المعلوم أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب هو الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، وكان يسكن في منطقة فلسطين، متنقلاً في مناطق عدة فيها، وكان توطنها هو وأبناؤه من بعد إبراهيم الخليل عليه السلام يعيشون فيها حياة البداوة (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (يوسف: 100)). قال ابن كثير: مِنَ الْبَدْوِ أي: من البادية، قال ابن جريج وغيره: وكانوا أهل بادية وماشية.
1 تعليق
فيصل الدردور ابو عامر
جزاكم الله خيرا كثيرا دكتور