رمزي الغزوي
عند البيادر العامرة بالغلال ستعرف أن كل قطرة تعب أرقتها لم تذهب هدراً، إنما هي نجمة في سمائك. هي حبة ستنبت خيراً ينفع الناس ويمكث في الأرض. عندها سيكون جميلا أن تسند قامتك مرفوع الجبين كي تجني حصاداً آخر: حصاد الجهد والحياة، وهذا بيدر الدستور.
فليس دائماً ما تكون شهادة الابن بأمه مجروحة أو مواربة، بل يحق لنا أن نحتفي اليوم بأمنا الدستور، وهي تبتهج بسنابل انحنت خيراً وصارت بيادر وعطاء ونماء للوطن والناس، في ذكرى ميلادها 55. يحق لنا أن نقف متأملين بيدرنا فرحين بما قدمه الأوائل إذ خاضوا غمار التجربة غير هيابين أو خائفين، ولم يكن في همتهم الا المضي رغم الصعاب.
اليوم نتذكر كل من بذر حبة في حقل الدستور، وكل من حصد سنبلة أيضاً، وكل من امتزج عرقه بثراها. نتذكرهم بكل إباء وافتخار ونتذكر أن الدستور في روح البلد ونبضها كانت وستبقى. فصباح الخير أيتها الأم الجميلة، صباحك طيب وأنت تزدهين بسنابلك وتدخلين عاما جديدا وأنت أكثر شبابا وحيوية وأعمق انفتاحاً. صباحك سعيد أيتها السيدة الأم، وأنت تزدادين جمالاً كلما مشى بك العمر.
عندما تخرجت من الجامعة قبل 27 سنة، بعثت بكتاباتي إلى الملاحق الثقافية، ولم ينشر لي شيء فيها، فكان لي أن ألجأ إلى بريد القراء في الدستور، بعناية زميلنا المرحوم فوزالدين البسومي، وعندما زرته لأشكره قال لي ستكون في القريب العاجل كاتب عمود، وكم من كاتب بدأ أول مشواره من هنا، ففرحت بنبوءته التي كنت أعمل من أجلها.
وعندما قصفت أحياء بغداد في 1996 كتبت قصيدة بعنوان (سيدة هيت) بعثت بها ساخنة لرئيس التحرير المرحوم الدكتور نبيل الشريف لتنشر في اليوم التالي على الصفحة الأخيرة فأحسست بمعنى أن تحمل الحروف الوجع والألم والأمل معاً، ومن ذلك الوقت ارتسمت أولى درجات الحلم.
ثم لتأتي الرؤية كاملة عام 2003 حين انظممت كاتباً يومياً على صفحاتها عبر مجرات بطلب من رئيس التحرير الأستاذ أسامة الشريف، ولتبدأ سعادتي في أجمل مهنة أحبها وأتفانى لأجلها، فكانت سنابل الذهب أمامي، فشرعت بالعمل لزراعة ما استطعت من خير للناس والحياة.
وردة كبيرة لأمنا الدستور في ذكرى ميلادها البهي ووردة لقرائها، ووردة لكل من قبض على جمر العمل الحقيقي الذي يمكث في الأرض. وكل عام وبلدنا بخير وأمان.