د عماد الدين زغول
على مدار العقود الماضية، لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، سواء بأساليب ناعمة وغير معلنة، أو من خلال دعوات مباشرة وصريحة.
فمنذ احتلال غزة عام 1967، بدأت إسرائيل التفكير في تقليل عدد السكان الفلسطينيين عبر سياسات تشجيع الهجرة، حيث تبنى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، خطة لتسهيل مغادرة الفلسطينيين إلى الأردن ودول أخرى، دون إعلان رسمي عن نية التهجير القسري.
ومع مرور الوقت، كشفت وثائق إسرائيلية أن الحكومة ناقشت في أواخر الستينيات والسبعينيات خططاً لترحيل الفلسطينيين، لكنها اصطدمت بعقبات سياسية ودولية. كما شهدت الثمانينيات استمرار هذه السياسة، حيث دعمت إسرائيل تهجير الفلسطينيين من لبنان عقب اجتياح عام 1982، في امتداد لرؤية تهدف إلى إعادة توزيع الفلسطينيين خارج أراضيهم التاريخية.
من السر إلى العلن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه المخططات تظهر بوضوح أكبر، لتتحول من مناقشات خلف الأبواب المغلقة إلى تصريحات رسمية. ففي عام 2018، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خطة لتشجيع الهجرة من غزة من خلال تقديم حوافز مالية، وتبعها في 2019 تقارير تؤكد استعداد الحكومة الإسرائيلية لدفع تكاليف سفر الفلسطينيين إلى الخارج.
كما دعا سياسيون من اليمين الإسرائيلي، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، إلى تهجير سكان غزة كحل نهائي للصراع، وصولاً إلى تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2024، التي كانت الأكثر وضوحاً في طرح فكرة التهجير الجماعي للفلسطينيين دون أي مواربة.
لكن الشعوب اليوم أكثر وعياً في مقابل هذه المخططات، يبقى الواقع على الأرض مختلفاً تماماً فشعب غزة، الذي اعتاد تقديم التضحيات، يزداد تمسكاً بأرضه، ويرفض الخروج منها حتى تحت أشد أنواع القصف والحصار والمقاومة الفلسطينية، التي استطاعت أن تفرض شروطها على الاحتلال في عدة محطات، باتت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، ما أجبر إسرائيل على الانسحاب مراراً من غزة في ظروف مذلة.
وعلى المستوى الإقليمي، لم يعد الموقف العربي صامتاً، حيث جاءت مواقف حاسمة، خصوصاً من دول الطوق، وعلى رأسها الأردن، حيث أعلن الملك عبد الله الثاني بن الحسين موقفاً واضحاً بأن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ستكون بمثابة إعلان حرب، في رسالة قوية إلى العالم بأن المشروع الصهيوني لن يمر كما كان مخططاً له.
اليوم، نحن أمام معادلة جديدة، حيث لم يعد الفلسطيني وحده في المواجهة، ولم يعد الاحتلال قادراً على فرض قراراته دون ردود فعل قوية، سواء من الشعوب أو من القيادات العربية وعلى راسها موقف جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الرافض الذي اعتبر تصريح اسرائيل بالتهجير للأردن بمثابة أعلان حرب.
الزمن تغير، والشعوب اليوم أكثر وعياً وإدراكاً لمخططات التهجير، ما يجعل هذه الدعوات، مهما تكررت، تصطدم بجدار الرفض والصمود نقف سندا وظهيرا للموقف الملكي الشجاع ويفدى منا بالارواح والمهج.