عبدالهادي راجي المجالي
تخلي
حين تذهب للحلاق , يخيرك بين الشعر الطويل والقصير ..بين سالف مختصر أم طويل , بين حلاقة الذقن وعدمها , وبين حف الشوارب أم تقصيرها ..في النهاية يقوم بالحلاقة لك بناء على رغباتك .
وحين تدخل مطعما , تختار أنت الوجبة , وهل تريد ملحا أم لا ..وهل تريدها حارة أو بدون فلفل, مع كولا أو بدون ..أنت تأكل بناء على مزاجك .
وحين تشتري سيارة , تختار اللون وسعة المحرك, وبلد المنشأ, وقد تضيف عليها لمساتك, وقد تقوم بإضافة عجلات جديدة ..وقد تغير نظام الصوت فيها فأنت تقود بناء على مزاجك ..
وحين تريد شراء بدلة , أو تفصيل أخرى تحدد للخياط شروطك , وهل تريد الجاكيت بزر واحد أم مع مجموعة أزرار , وتحدد أيضا اللون ونوع القماس ومقاس الجاكيت , كل شيء بناء على رغباتك يتم .
وحين تبني بيتك الخاص , تطلب من المهندس توسيع غرفة الجلوس ..فمن الممكن أنك تحب المساحة الواسعة , وربما ستضيف بركة سباحة على المخطط , وربما أيضا ستطلب إضافة حمام اخر , ربما أيضا ستطلب حديقة مستطيلة , أنت تحدد شكل الراحة التي ستحظى بها في المنزل الجديد ..
وحين يأتيك مبلغا , تقرر كيفية إنفاقه , ربما ستأخذ العائلة في رحلة , ربما ستشتري سيارة جديدة , ربما ستضعه وديعة في البنك ..أو ربما ستقوم بإقراض صديق , هو مالك في النهاية وأنت من يقرر.
كل شيء في العمر تتحكم به إلا جنسيتك فهي قدر , وأنا حين خلقني الله أردنيا رضيت بقدري وحمدته ..أنا لا أعرف هؤلاء الذين تنشر اسماؤهم في المواقع الإخبارية ويقررون التخلي عن جنسيتهم لقاء حصولهم على جنسيات أخرى ..هل هم مثلنا يؤمنون بالقدر الجميل …كيف يتخلى مواطن عن دمه ووريده , وعن حدقة عينه , كيف يتخلى عن لون شعره ..؟ كيف يتخلى عن التراب الذي شكل تكوينه ووجوده ..
هل ما زال لدينا في القرت الواحد والعشرين مواطنا يذهب للأحوال المدنية كي يسلم جواز سفره الأردني من أجل جنسية اخرى ؟
والله لو أعطوني كل جنسيات الأرض , ما تركت بلدا ترابها يحضن عظام أبي وأمي وأهلي …حتى المقابر فيها تعلمك الشوق والحنين , أنا لا أفهم كيف يتخلى إنسان عن دمه ؟.