د.حسام العتوم
ما قبل مغادرة المعارض الروسي السياسي ( المشاغب ) اليكسي نافلني بلاده روسيا إلى المانيا بتاريخ 21 اغسطس 2020 للعلاج بعد إدعائه بتسميمه في مدينته )أومسك ( في سيبيريا من قبل سلطة قصر ( الكرملين ) الرئاسية في موسكو حسب إعلانه و قوله للإعلام , و هو الذي لم تقر به روسيا الرسمية , إنعكس على عودته إلى مطار عاصمة بلاده ( شيريميتيفا ) , و تم توقيفه فورا وحكم عليه خلف القضبان سنتان و نصف السنة , و أعفي من سنة سبق أن قضاها في السجن سابقا , و أسباب اعتقاله و سجنه علنية منها , مخالفته لشروط الإقامة الجبرية في روسيا سابقا , و غير المعلنة تركزت على توجيه تهمة تخابره مع أجهزة غربية لوجستية في مقدمتها جهاز الأمن الأمريكي ( سي . أي . إيه ) , بهدف زعزعة الأستقرار في روسيا , و الذهاب ببلاده إلى الفوضى , و إلى الثورة البرتقالية الشبيهة بما حدث في أوكرانيا , و هو الذي لم و لن تقبل به روسيا السياسية و الأمنية ,ولن يحدث , خاصة في زمن الرئيس فلاديمير بوتين صاحب الكاريزما الفولاذية و الأمنية رفيعة المستوى ,و الذي يعتبره (نافلني) عدوا له , و يتهمه شخصيا بالفساد , و بالثراء غير المشروع , و هو ما نفاه بوتين بنفسه لإعلام بلاده . وقابل ذلك أن هناك من يجمع المال في روسيا لمن لا يملكه من الفقراء . و هدف القضاء و ساسة روسيا إبقاء نافالني في السجن إلى مابعد الانتخابات البرلمانية الروسية في شهر سمبتمبر المقبل لضمان عدم مشاركته فيها .
و لازال صدى حدث (نافالني) يتفاعل وسط العاصمة الروسية موسكو من خلال حوادث شغب متفرقة من قبل مناصريه , وعبر صدامات لهم مع رجال الأمن الروسي المتواجدين لحمايتهم , أو على الأقل هذه هي مهمتهم . و الأعلام الروسي اشغل نفسه بقضيته عبر القنوات المتلفزة ( 1 , 24 , RTR , ِِِRT ( , الأنترنت , و اليوتيوب , و الفيس بوك , و التويتر . و اختارت الجماعة المناصرة لنافلني ( اليوتيوب ) القناة المفضلة للمعارض نافالني نفسه . و المفلت للنظر هنا هو أن اكبر احزاب المعارضة الروسية الوطنية ألا و هو الشيوعي بقيادة غينادي زوغانوف , و هو الذي يقود الأصلاح في روسيا بعد سيطرة حزب ( روسيا الموحدة ) الحاكم ( حزب بوتين ) على زمام السياسة و الاقتصاد في موسكو , إلى جانب الحزب الديمقراطي الليبرالي بقيادة النائب الساخر فلاديمير جيرينوفسكي لم يساندا حراك نافالني ,و اتهماه كما سلطة موسكو بالتخابر مع الخارج , و بأن هدفه نشر الفوضى , و الثورة في روسيا , ولم يسانده ايضا حزب ( روسيا العادلة ) بقيادة سيرجي ميرونوف , وهم يرفضون التعامل مع الخارج و يعتبرونه خيانة وطنية , في زمن الحاجة للإستقرار, و لمواصلة البناء , و لمواجهة الحرب الباردة , و سباق التسلح , المفروض على بلادهم روسيا من قبل الغرب , و تحديدا من قبل حلف (الناتو ) العسكري بقيادة أمريكا , وهي , أي روسيا ترفضهما , و ترفض سيادة القطب الواحد , و تنادي بعالم متعدد الأقطاب , متوازن , و متعاون , و على قاعدة ” الند للند ” , و تتعامل معه مباشرة . وفي زمن هي محتاجة فيه روسيا لتصفير جائحة كورونا عبر ما لديها من مختبرات طبية متطورة و علماء , و علاج ناجع فريد من نوعه في العالم . فإلى أين يتجه ملف المعارض نافالني هذا ؟ وكيف سينتهي ؟ دعونا نتأمل .
يقابل ذلك سلطة بوتين القادمة في عمق التاريخ المعاصر من مستودعات جهاز ال ( KG .B FCB ) , وبوتين محصن دستوريا , ويسانده حزب ( روسيا الموحدة ) الحاكم , و النخبة السياسية , و معظم الشعب الروسي الذي إعتاد التصويت له بنسبة مئوية عالية في كل الإنتخابات الرئاسية التي خاضها منذ عام 2000 ( كان اخرها بنسبة 76,66% عام 2018. و هو الذي تتجاوز شخصيته صفة ) الرئيس ( ويمكن وصفها بالزعيم عاقد العزم على خدمة دولته ووطنه و شعبه بقدر ما يعطيه الله من صحة و سلامة . ووجوده الطويل في السلطة بالمناسبة لا يمكن إعتباره إستفرادا بها , و إنما ضمانة لسلامة روسيا التي يريد و يراد لها من قبل شعبها و نخبتها السياسية أن تبقى ناهضة متطورة و قوية في وجه التحديات الصعبة الداخلية و الخارجية . ومما لا شك فيه فإن روسيا من وسط نخبتها السياسية و جهازها الأمني تضع عينها على خليفة لبوتين بكل تأكيد , و ربما أكثر تحسبا لأي طاريء مفاجيء , و موضوع طلب العون مجددا عام 2024 من الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف ليساعد بوتين في الحكم وفقا لأحكام الدستور الروسي , وكما حدث عام 2012 انتهى حسب اعتقادي لصالح الذهاب لإستفتاء شعبي على كرسي الكرملين رقم (1) .
وبناء عليه تحسب شخصية بوتين كما أعتقد على من سبقه في خدمة جهاز ال ( KGB ) الأمني السوفييتي امثال (اندروبوف و بريماكوف ) , وعلى صلابة ( جوزيف ستالين , و جيورجي جوكوف ) , القائدان العسكريان المشهوران في الحرب الوطنية العظمى – الثانية المنتصرة عام 1945 , بعد فاتورة من الشهداء بلغت 27 مليون انسان و عسكري , وهو أي بوتين مشغول بالكامل بأمور الدولة الروسية كما الاحظ من خلال متابعاتي لسيادته عبر الأعلام الروسي , و لا مكان عنده للبحث عن الترف و الإثراء غير المشروع , و هو لا يشبه بكل تأكيد بوريس يلتسين ( رئيس روسيا الأسبق ) , و لا ميخائيل غورباتشوف ( أخر رئيس للأتحاد السوفييتي ) , و لا حتى نيكولاي جاوجيسكو( الرئيس الروماني السابق ) . و في المقابل فإن شخصية اليكسي نافالني يصعب مقارنتها بفلاديمير لينين مثلا و كما يحلو للبعض داخل روسيا الترويج له من مناصريه , و يبتعد كثيرا عن شخصية الثائر الكوبي ( تشي جيفارا) . و ينتقد الأعلام الروسي هتافات شريحة من الشارع الروسي التي تطالب بدعوة الغرب لفرض عقوبات إقتصادية على روسيا , الأمر الذي يرتقي وطنيا عندهم إلى مستوى الخيانة الوطنية العظمى .
وليس دفاعا عن الرئيس بوتين الذي لايعرفني رغم إصداري هنا في عمان لكتابين في الشأن السياسي الروسي ” روسيا المعاصرة و العرب عام 2016 ” و ” الرهاب الروسي غير المبرر عام 2020 ” , و كتاب جديد قادم بعون الله , وسط الضجيج الروسي, وهو الذي اشاهده يوميا عبر شاشات الأعلام الروسي , و لا من زاوية الدعاية له , و انا على يقين بأنه غير محتاج لذلك . و للإنصاف أقول هنا بأنه يسجل له في عهده الرئاسي المستمر منذ عام 2000 أنه يحقق عدة إنجازات وطنية و قومية كبيرة لبلاده العملاقة روسيا , من أهمها إعادته لأقليم القرم رغم التحدي الأوكراني – الأمريكي المشترك , وإتهام روسيا بإحتلاله . و تمسكه بجزر ( الكوريل ) التي خسرتهم اليابان في حربها على الأتحاد السوفييتي نهاية عام 1945 ,و رغم إعتبارهم من قبل أمريكا تابعات للسيادة اليابانية , وإعلانه اكثر من مرة عبر إعلام بلاده عن تفوق روسيا عالميا في إنتاج اللقاح الروسي ( كوفيد v) المكافح لجائحة كورونا التي اصابت روسيا و العالم , وشكلت خطرا على الأنسانية , و لازالت تغلف خارطة العالم . و يقف بوتين خلف التفوق النوعي و التكنولوجي العسكري الروسي على مستوى الجيش الأحمر و البحرية رغم فارق ميزانية الدفاع لصالح حلف ( الناتو ), ووصول روسيا لمرحلة القدرة على الرد السريع أولا و قبل أي دولة عالمية حالة إندلاع حرب كبرى غير تقليدية مفاجئة . و بلاده روسيا ومنذ العهد السوفييتي , وعندما إمتلكت القنبلة النووية عام 1949 , بعد إمتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لها أولا عام 1945 منعت إندلاع حرب عالمية ثالثة مدمرة للبشرية و للحضارات وحتى الساعة . وحققت روسيا في عهدة إنجازات ضخمة في غزو الفضاء , و تعاونت في مجاله مع أمريكا و دول العالم .و يضاف إلى ماسبق وقوف بوتين إلى جانب ألمرأة الروسية القادرة على الأنجاب للمرة الثالثة , ولقد ثبت للروس بأن الولد الثالث مهم , و أسماء عديدة من بينها تألقت .
وتميزت روسيا بوتين في مفاعلاتها النووية السلمية الخادمة للبشرية , و نشرتها طوعا وسط العالم , و شخصيا زرت إحداهن بإسم ( أودوملا) بالقرب من مدينة ( تفير ) شمال موسكو عام 2011 , و نشرت اللغة الروسية في العالم عبر مؤسسة صندوق ( روسكي – مير ) , التي رفعت شعارا عبر مديرها النائب البروفيسور فيجيسلاف نيكانوف ( العالم سيتحدث بالروسية ), وسبق لي أن شاركت بعدة مؤتمرات للصندوق في موسكو و سوتشي . ومثلما يسجل للمعارض الروسي نافالني جهده في مكافحة الفساد في بلده روسيا , يسجل للرئيس بوتين جهد كبير مقابل في مقارعة الفساد الكبير في روسيا , و ومثلي هنا مطاردته لكبار حيتان المال الأسود من الأوليغارج مثل ( بيريزوفسكي , و خاداروفسكي ) و غيرهم . و قصة قصور بوتين الخيالية ثبت أنها سرابية , و صورت من الأنترنت , و بوتين ليس بحاجة لها , وظهر لنا من يفند ما جاء به نافالني , انه الملياردير ( اركادي روتنبيرغ ) , و هو باني جسر القرم على إمتداد 12 كيلومترا فوق البحر الأسود , و أثبت بأن القصر الفاخر في منطقة ( غيلينجيك كراسنادار ) القريبة من مدينة سوتشي يعود له و ليس لبوتين . وفي الوقت الذي تحدث فيه نافالني بأن القصر هذا تبلغ قيمته مليار و 300 مليون دولار , إتهمت موسكو ( نافالني ) بحصوله على مليار دولار من اجهزة إستخبارات الغرب .